للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فَمَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً" والمهم هنا ليس مجرد حديث النفس، لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه، ولكن المراد عزم على أن يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل، فيكتبها الله حسنة كاملة.

فإن قيل: كيف يثاب وهو لم يعمل؟

فالجواب: يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة.

واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:

الوجه الأول: أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء: الآية١٠٠)

وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه.

الوجه الثاني: أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها، فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا، ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، وقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟ فقال: "صَلِِّ هَاهُنَا" فكرر عليه، فقال له "شَأنُكَ إذاً" (١) فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.

الوجه الثالث: أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى، فقرع عليه الباب أحد أصحابه وقال له: هيا بنا نتمشى، فترك الصلاة وذهب معه يتمشى، فهذا يثاب


(١) أخرجه أبو داود - كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر أن يصلي في بيت المقدس، (٣٣٠٥) . وسكت عنه المنذري وصححه الحاكم والحافظ تقي الدين بن دقيق العيد.

<<  <   >  >>