للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشكل؛ لأنه يلزم منه أن تكون الصلوات الخمس رخصة والحدود والتعازير والجهاد والحج رخصة، لأن ذلك جميعه يجوز الإقدام عليه، وفيه مانعان؛ أحدهما ظواهر النصوص المانعة من

التزامه، وهو قوله تعالى «وما جعل الله عليكم في الدين من حرج» (١) ، وقوله تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (٢) ، وقوله عليه الصلاة والسلام «لا ضرر ولا ضرار» ، وجميع ذلك يمنع أن تجب هذه الأمور علينا لأنه حرج وعسر وضرر، غير أن ما فيها من المصالح العاجلة والمثوبات الآجلة هو المعارض الذي لأجله خولفت ظواهر هذه النصوص. وثانيهما صورة الإنسان مكرمة معظمة لقوله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم» (٣) ، وقوله تعالى «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» (٤) ، والمكرم المعظم يناسب أن لا تهلك بنيته بالجهاد ولا يلزم المشاق والمضار، ولذلك قلت أنا في حدي: مع اشتهار المانع اشرعي، وأريد باشتهار المانع نفور الطبع الجيد السليم عند سماع قولنا أكل فلان الميتة، أو أفطر في رمضان، أو شرب الخمر للغصة، ونحو ذلك، وعلى هذا تخرج هذه النقوض عن حد الرخصة؛ فإنه لا ينفر أحد من قولنا أقيم الحد على الإنسان، ولا صلى الإنسان، ونحو ذلك، ولا يستعظم كيف اجتمع ذلك مع وصف الإنسانية كما يستعظم اجتماع الأكل مع الميتة والإفطار مع رمضان، ومع هذا الاحتراز لا يسلم الحد عن الفساد.

فإن في الشريعة رخصاً لم ألهم لها حالة ذكرى لهذا الحد وهي الإجازة رخصة من بيع المعدوم الذي لا يقدر على تسليمه، والسلم رخصة لما فيه من الغرر بالنسبة إلى المرئي، والقراض والمساقاة رخصتان لجهالة الأجرة فيهما، والصيد رخصة لأكل الحيوان مع اشتماله على دمائه ويكتفى فيه بمجرد جرحه وخدشه، ومع ذلك فلا ينفر أحد إذا ذكر له ملابسة هذه الأمور، فلا يكون حدي جامعاً.


(١) ٧٨ الحج.
(٢) ١٨٥ البقرة.
(٣) ٧٠ الإسراء.
(٤) ٤ التين.

<<  <   >  >>