للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْغُلامَ الذَّبْحُ؟ وَكَانَ فِرْعَوْنُ قَدِ اسْتَنْكَحَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يُقَالُ لَهَا: آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، وَكَانَتْ مِنْ خِيَارِ النِّسَاءِ وَمِنْ بَنَاتِ الأَنْبِيَاءِ، وَكَانَتْ أُمًّا لِلْمُسْلِمِينَ تَرْحَمُهُمْ وَتَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ وَتُعْطِيهِمْ وَيَدْخُلُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لِفِرْعَوْنَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ إِلَى جَنْبِهِ: هَذَا الْوَلِيدُ أَكْبَرُ مِنَ ابْنِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا أَمَرْتَ أَنْ يُذْبَحَ الْوِلْدَانُ لِهَذِهِ السَّنَةِ، فَدَعْهُ يَكُونُ قُرَّةَ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، {لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أَنَّ هَلاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ، فَاسْتَحْبَاهُ فِرْعَوْنُ وَوَمَقَهُ وَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّتَهُ وَرَأْفَتَهُ، وَقَالَ لامْرَأَتِهِ: عَسَى أَنْ يَنْفَعَكِ، فَأَمَّا أَنَا فَلا أُرِيدُ نَفْعَهُ، قَالَ وَهْبٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ أَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَالَ فِي مُوسَى كَمَا قَالَتِ امْرَأَتُهُ آسِيَةُ {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} لَنَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ أَبَى لِلشَّقَاءِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ مُوسَى الْمَرَاضِعَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، كُلَّمَا أَتَى بِمُرْضَعَةٍ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيُهَا، فَرَقَّ لَهُ فِرْعَوْنُ وَرَحِمَهُ وَطَلَبَ لَهُ الْمَرَاضِعَ، وَذَكَرَ وَهْبٌ حُزْنَ أُمِّ مُوسَى وَبُكَاءَهَا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُبْدِيَ بِهِ، ثُمَّ تَدَارَكَهَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَرَبَطَ عَلَى قَلْبِهَا، وَقَالَتْ لأُخْتِهِ: تَنَكَّرِي وَاذْهَبِي مَعَ النَّاسِ، فَانْظُرِي مَاذَا يَفْعَلُونَ بِهِ، فَدَخَلَتْ أُخْتُهُ مَعَ الْقَوَابِلِ عَلَى آسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمٍ، فَلَمَّا رَأَتْ وَجْدَهُمْ بِمُوسَى وَحُبَّهُمْ لَهُ وَرِقَّتَهُمْ عَلَيْهِ؛ قَالَتْ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} إِلَى أَنْ رُدَّ إِلَى أُمِّهِ، فَمَكَثَ مُوسَى عِنْدَ أُمِّهِ إِلَى أَنْ فَطَمَتْهُ، ثُمَّ رَدَّتْهُ فَنَشَأَ مُوسَى فِي حِجْرِ فِرْعَوْنَ وَامْرَأَتِهِ يُرَبِّيَانِهِ، وَاتَّخَذَهُ وَلَدًا، فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ بِهِ إِذْ رَفَعَ الْقَضِيبَ فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ فِرْعَوْنَ فَغَضِبَ فِرْعَوْنُ وَتَطَيَّرَ مِنْ ضَرْبِهِ حَتَّى هَمَّ بِقَتْلِهِ، فَقَالَتْ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ: لا تَغْضَبْ وَلا يَشُقَّنَّ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ صَبِيٌّ صَغِيرٌ لا يَعْقِلُ، جَرِّبْهُ إِنْ شِئْتَ، اجْعَلْ فِي هَذَا الطَّشْتِ جَمْرًا وَذَهَبًا، فَانْظُرْ عَلَى أَيِّهِمَا يَقْبِضُ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا مَدَّ مُوسَى يَدَهُ لِيَقْبِضَ عَلَى الذَّهَبِ قَبَضَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ عَلَى يَدِهِ، فَرَدَّهَا إِلَى الْجَمْرَةِ، فَقَبَضَ عَلَيْهَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ، ثُمَّ قَذَفَهَا حِينَ وَجَدَ حَرَارَتَهَا، فَقَالَتْ آسِيَةُ لِفِرْعَوْنَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُ لا يَعْقِلُ شَيْئًا، فَكَفَّ عَنْهُ فِرْعَوْنُ وَصَدَّقَهَا، وَكَانَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْعُقْدَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِ مُوسَى أَنَّهُ أَثَرُ تِلْكَ الَّتِي الْتَقَمَهَا

وقوله: {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} [القصص: ٧] قال مقاتل: قالت المرأة: رب إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر وبطون الحيتان.

فأوحى الله إليها: لا تخافي عليه الضيعة، فإني أوكل به ملكا يحفظه في اليم، ولا تحزني لفراقه، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} [القصص: ٧] لتمام رضاعه لتكوني أنت ترضعينه، {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٧] إلى أهل مصر.

{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٨] الالتقاط إصابة الشيء من غير طلب، والمراد بآل فرعون الذين أخذوا تابوت موسى من البحر، {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] وقرئ وحزنا وهما لغتان، مثل: السقم والسقم وبابه، ومعنى ليكون: ليصير الأمر إلى ذلك، لا أنهم أخذوه لهذا، كما تقول للذي كسب مالا فأداه ذلك إلى الهلاك: إنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يطلب المال طلبا للحتف.

{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٩] مضى تفسيره إلى قوله: {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: ٩] قال المفسرون: كانت لا

<<  <  ج: ص:  >  >>