للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السؤال (٢٧) : فضيلة الشيخ، هل الإيمان يزيد وينقص؟ ونود أن نعرف بأي شيء تحصل الزيادة، وبأي شيء يحصل النقصان؟]

الجواب: هناك كلمة بقيت في الإيمان بالقدر يسيرة، وهي أن الإيمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه، لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره، فإنك عند السراء تشكر الله عز وجل، ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك، وأن الفضل كله بيد الله عز وجل، فتزداد بذلك شكراً لنعمة الله سبحانه وتعالى، ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك به، وألا ترى لنفسك فضلاً على ربك، بل ترى المنة لله سبحانه وتعلى عليك، قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات: ١٧) ، كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل وتستسلم، ولا تندم على ذلك، ولا يلحقك الحسرة، ألم تر إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" (١) .

فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب، وعدم الحزن على ما فات، وعدم الغم والهم لما يستقبل، قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (٢٢) (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد٢٢-٢٣) ، والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم، ويفتح له الشيطان كل باب، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر فيما إذا أصابته السراء، ولكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.

أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة، إقرار بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالجوارح، وإذا كان كذلك، فإنه سوف يزيد وينقص، وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين، وهكذا.

ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: ٢٦٠) ، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر، فيه موعظة وذكر للجنة والنار، يزداد إيماناً حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين، وعندما تكون الغفلة، ويقوم من هذا المجلس، يخف هذا اليقين في قلبه.

كذلك يزداد الإيمان من حيث القول، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات، ليس كمن ذكر الله مائة مرة، فالثاني أزيد بكثير.

وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل، يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص، وكذلك العمل، فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر، صار الثاني أزيد إيماناً من الناقص، وقد جاء ذلك في الكتاب والسنة، أعني إثبات الزيادة والنقصان جاء في الكتاب والسنة، قال الله تبارك وتعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) (المدثر: ٣١) ، وقال الله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١٢٤) (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة: ١٢٤-١٢٥) ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" (٢) ، فالإيمان إذن يزيد وينقص، لكن ما سبب زيادة الإيمان ونقصانه؟

أما أسباب زيادة الإيمان فمنها:

السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته أزداد إيماناً بلا شك، ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه.

السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات- السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك - ازداد إيماناً، قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) (: ٢٠) (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات٢٠-٢١) ، والآيات الدالة على هذا كثيرة، أعني الآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيماناً.

السبب الثالث: كثرة الطاعات، فالإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً، سواء كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية.

أما أسباب النقصان فإنها على العكس من ذلك: فالجهل بأسماء الله وصفاته يوجب نقص الإيمان، لأن الإنسان إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.

السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده وعدم نموه.

الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب، وعلى الإيمان، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" (٣) .

الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سبب لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر، فهو نقص يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة، أو واجبة لكن تركها لعذر، فإنه نقص لا يلام عليه، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقل ودين، وعلل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورة بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل، صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.


(١) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز، رقم (٢٦٦٤) .
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم (٣٠٤) ، ومسلم كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بنقصان الطاعات، رقم (٧٩، ٨٠) .
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) (٥٥٧٨) ، ومسلم كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم (٥٧) .

<<  <   >  >>