للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السؤال (٢٨٨) : فضيلة الشيخ، إذا دخل الحاج أو المعتمر أو غيرهما الحرم وأراد أن يطوف، لا شك أنه يقع هناك بعض الأخطاء، حبذا لو بينتم هذه الأخطاء التي تقع في الطواف؟]

الجواب: في الطواف أيضاً أخطاء كثيرة، تقع من بعض الحجاج أو غير الحجاج.

فمنها: النطق بالنية عند إرادة الطواف، تجد الحاج يقف مستقبل الحجر إذا أراد الطواف فيقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج أو: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقرباً إليك، وما أشبهها.

والتلفظ بالنية بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله تعالى بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة.

وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور، وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله، فإن قلت: أنا أقوله بلساني ليطابق ما في قلبي، قلنا: العبادات لا تثبت بالأقيسة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ.

الخطأ الثاني: أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحجر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة، وربما ينزغه من الشيطان نزغ، فتحصل في قلبه شهوة في هذا المقام الضنك، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه؛ كما أنه فتنة في أي مكان كان.

والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست بمشروعة، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود.

أما الركن اليماني: فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود لأن الحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه (١) .

والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة - فهي أيضاً تحدث تشويشاً في القلب والفكر؛ لأن الإنسان لابد عند المزاحمة من أن يسمع كلاماً يكرهه، أو يسمع هو كلاماً يكرهه ويتندم عليه؛ فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل.

والذي ينبغي للطائف أن يكون دائماً في هدوء وطمأنينة، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله)) (٢) .

الخطأ الثالث مما يقع في الطواف: أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف، ولصحة الحج أيضاً أو العمرة، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة، وليست سنة مستقلة أيضاً، بل هي سنة للطائف، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا: فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا بشرط، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول له: إن طوافه غير صحيح، أو إن طوافه ناقص نقصاً يأثم به، بل طوافه صحيح، بل نقول: إنه إذا كان هناك مزاحمة شديدة، فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام عند الزحام، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره، أو يكون من غيره له.

فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فما ترون، هل الأفضل أن أزاحم فاستلم الحجر وأقبله، أم الأفضل أن أشير إليه؟

قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

الرابع من الأخطاء التي يفعلها بعض الطائفين: تقبيل الركن اليماني، وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة؛ وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة.

وكذلك أيضاً: نجد بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ؛ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تقدم إلا للأذى؛ كالاستنجاء بها، والاستجمار بها، والامتخاط بها، وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقبيل والاحترام، فإنه يكون لليد اليمنى.

الخامس من الأخطاء التي يرتكبها بعض الطائفين: أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركاً؛ وهذا بلا شك خلاف ما قصد به؛ فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله: تعظيم الله عز وجل؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال: ((الله أكبر)) ، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك، ما قبلتك (٣) ، هذا الظن الخاطئ من بعض الناس، وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك، أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن ينهى عنه، وأن يبين للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع، وأن المقصود بمسحها: تعظيم الله عز وجل، وإقامة ذكره، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم.

وننتقل من هذا إلى خطأ يقع أيضاً في المدينة المنورة عند حجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان بعض العامة يتمسحون بالشباك الذي على الحجرة، ويمسحون به بأيديهم ووجوههم ورؤوسهم وصدورهم؛ اعتقاداً منهم أن في هذا بركة، وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعة فيه، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء، لكن إن كان صاحبه جاهلاً، ولم يطرأ على باله أنه من البدع، فيرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالماً أو متهاوناً لم يسأل عن دينه، فإنه يكون آثما، فالناس في هذه الأمور التي يفعلونها: إما جاهل جهلاً مطبقاً لا يطرأ بباله أن هذا محرم؛ فهذا يرجى أن لا يكون عليه شيء، وإما عالم متعمد ليَضل ويُضل الناس؛ فهذا آثم بلا شك، وعليه إثم من تبعه واقتدى به، وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيخشى أن يكون آثماً بتفريطه وعدم سؤاله.

أخطاء تقع في الطواف (تتمة)


(١) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه، رقم (١٦١٢)
(٢) تقدم تخريجه (٣٢٧)
(٣) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، رقم (١٥٩٧) ، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف، رقم (١٢٧٠)

<<  <   >  >>