للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السؤال (٣٠٥) : فضيلة الشيخ، ذكرتم شيئاً من الأخطاء التي تقع عند الرمي منها: الظن بأن الحصى لابد أن تلتقط من مزدلفة، وأيضاً غسل الحصى، وأنه خلاف السنة والظن بأن الجمرات شياطين، والرمي بالأحجار الكبيرة والرمي بالأحذية والخشب وما شابهها، فهل هناك أخطاء أخرى تقع من بعض الحجاج في الرمي ينبغي التنبيه عليها والاستفادة من تجنبها؟

الجواب: نعم، هناك أخطاء في الرمي يرتكبها بعض الناس، منها ما سبق، ومنها أن بعض الناس لا يتحقق من رمي الجمرة من حيث ترمى؛ فإن جمرة العقبة ـ كما هو معلوم في الأعوام السابقة ـ كان لها جدار من الخلف، والناس يأتون إليها من نحو هذا الجدار، فإذا شاهدوا الجدار رموا، ومعلوم أن الرمي لابد أن تقع فيه الحصى في الحوض، فيرمونها من الناحية الشرقية من ناحية الجدار، ولا يقع الحصى في الحوض؛ لحيلولة الجدار بينهم وبين الحوض، ومن رمى هكذا فإن رميه لا يصح؛ لأن من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض، وإذا وقعت الحصاة في الحوض، فقد برئت بهذا الذمة سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه.

ومن الأخطاء أيضا في الرمي: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن تصيب الحصاة الشاخص، أي: العمود، وهذا ظن خطأ؛ فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى، فإذا وقعت الحصاة في المرمى، أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه.

ومن الأخطاء العظيمة الفادحة أيضا: أن بعض الناس يتهاون في الرمي، فيوكّل من يرمي عنه مع قدرته عليه، وهذا خطأ عظيم؛ وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه، وقد قال الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة: ١٩٦) ، وهذا يشمل إتمام الحج بجميع أجزائه، فجميع أجزاء الحج يجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه، وألا يوكل فيها أحدا.

يقول بعض الناس: إن الزحام شديد، وإنه يشق عليّ.

فنقول له: إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة، فإنه لا يكون شديداً في آخر النهار، ولا يكون شديدا في الليل، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل؛ لأن الليل وقت للرمي، وإن كان النهار أفضل، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتي به في النهار، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى، المهم أن من احتج بالزحام نقول له: إن الله قد وسع الأمر، فلك أن ترمي في الليل.

يقول بعض الناس: إن المرأة عورة ولا يمكنها أن تزاحم الرجال في الرمي.

نقول له: إن المرأة ليست عورة، إنما العورة أن تكشف المرأة ما لا يحل لها كشفه أمام الرجال الأجانب، وأما شخصية المرأة فليست بعورة، وإلا لقلنا: إن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها أبدا، وهذا خلاف دلالة الكتاب والسنة، وخلاف ما أجمع عليه المسلمون، صحيح أن المرأة ضعيفة، وأن المرأة مرادة للرجل، وأن المرأة محط الفتنة، ولكن إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس، فلتؤخر الرمي إلى الليل؛ ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله؛ كسودة بنت زمعة، وأشباهها، لم يرخص لهم أن يدعوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم، مع دعاء الحاجة إلى ذلك ـ لو كان من الأمور الجائزة ـ بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ليرموا قبل حطمة الناس، وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة.

نعم، لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه، لا في النهار ولا في الليل، فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل؛ لأنه عاجز وقد ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم؛ لعجز الصبيان عن الرمي، ولولا ورود هذا النص ـ وهو رمي الصحابة عن صغارهم ـ لولا هذا لقلنا: إن من عجز عن الرمي بنفسه، فإنه يسقط عنه: إما إلى بدل وهو الفدية، وإما إلى غير بدل؛ وذلك لأن العجز عن الواجبات يسقطها، ولا يقوم غير المكلف بما يلزم المكلف فيها عند العجز؛ ولهذا من عجز عن أن يصلي قائما مثلا، لا نقول له: وكل من يصلي عنك قائما، على كل حال: التهاون في هذا الأمر ـ أعني: التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن فيه الحاج من الرمي ـ أمر خطأ كبير؛ لأنه تهاون في العبادة، وتخاذل عن القيام بالواجب.

ومن الأخطاء أيضا في الرمي: أن بعض الناس يظنون أن الرمي بحصاة من غير مزدلفة لا يجزئ، حتى إن بعضهم إذا أخذ الحصى من مزدلفة، ثم ضاع منه أو ضاع منه بعضه، وبقي ما لا يكفي: ذهب يطلب أحدا معه حصى من مزدلفة ليسلفه إياه، فتجده يقول: أقرضني حصاة من فضلك. وهذا خطأ وجهل، فإنه كما أسلفنا: يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت، حتى لو فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات، وسقطت الجمرات من يده، فله أن يأخذ من الأرض من تحت قدمه، سواء حصاه التي سقطت منه أو غيرها، ولا حرج عليه في ذلك؛ فيأخذ من الأرض التي تحته وهو يرمي ويرمي بها حتى وإن كان قريبا من الحوض؛ لأنه لا دليل على أن الإنسان إذا رمى بحصاة رمي بها لا يجزئه الرمي، ولأنه لا يتيقن أن الحصاة التي أخذها من مكانه قد رمي بها فقد تكون هذه الحصاة سقطت من شخص آخر وقف في هذا المكان، وقد تكون حصاة رمى بها شخص من بعيد ولم تقع في الحوض، المهم أنك لا تتيقن، ثم على فرض أنك تيقنت أن هذه قد رمي بها، وتدحرجت من الحوض وخرجت منه، فإنه ليس هناك دليل على أن الحصى الذي رمي به لا يجزئ الرمي به.

ومن الخطأ في رمي الجمرات: أن بعض الناس يعكس الترتيب فيها في اليومين الحادي عشر والثاني عشر؛ فيبدأ بجمرة العقبة، ثم بالجمرة الوسطى، ثم بالجمرة الصغرى الأولى، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رماها مرتبة، وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم)) (١) ؛ فيبدأ بالأولى، ثم بالوسطى، ثم بجمرة العقبة.

فإن رماها منكسة، وأمكنه أن يتدارك ذلك، فليتداركه، فإذا رمى العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، فإننا نقول: ارجع فارم الوسطى ثم العقبة؛ وذلك لأن الوسطى والعقبة وقعتا في غير موضعهما؛ لأن موضعهما تأخرهما عن الأولى، ففي هذه الحالة نقول: اذهب فارم الوسطى ثم العقبة.

ولو أنه رمى الأولى ثم جمرة العقبة ثم الوسطى، قلنا له، ارجع فارم جمرة العقبة؛ لأنك رميتها في غير موضعها، فعليك أن تعيدها بعد الجمرة الوسطى.

هذا إذا أمكن أن يتلافى هذا الأمر، بأن كان في أيام التشريق، وسهل عليه تلافيه، أما لو قدر أنه انقضت أيام الحج، فإنه لا حرج عليه في هذه الحال؛ لأنه ترك الترتيب جاهلا، فسقط عنه بجهله، والرمي للجمرات الثلاث قد حصل، غاية ما فيه اختلاف الترتيب، واختلاف الترتيب عند الجهل لا يضر، لكن متى أمكن تلافيه بأن علم ذلك في وقته، فإنه يعيده.

ومن الخطأ أيضا في رمي الجمرات في أيام التشريق: أن بعض الناس يرميها قبل الزوال، وهذا خطأ كبير؛ لأن رميها قبل الزوال رمي لها قبل دخول وقتها فلا يصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد)) (٢) ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد زوال الشمس، وإنما رماها بعد الزوال وقبل صلاة الظهر، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يرتقب الزوال ارتقابا تاما، فبادر من حيث أن زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر، ولقول عبد الله بن عمر: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا. ولأنه لو كان الرمي جائزا قبل زوال الشمس، لفعله النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أيسر للأمة، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما كان أيسر، فلو كان مما يتعبد به لله ـ أعني الرمي قبل الزوال ـ لشرعه الله سبحانه وتعالى لعباده؛ لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: ١٨٥) ، فلما لم يُشرع قبل الزوال، علم أن ما قبل الزوال ليس وقتا للرمي، ولا فرق في ذلك بين اليوم الثاني عشر والحادي عشر والثالث عشر، كلها سواء، كلها لم يرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد زوال الشمس.

فليحذر المؤمن من التهاون في أمور دينيه، وليتق الله تعالى ربه، فإن من اتقى ربه، جعل له مخرجا، ومن اتقى ربه، جعل له من أمره يسر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: ٢٩) .

وينبغي للإنسان ـ ونحن نتكلم عن وقت الرمي ـ أن يرمي كل يوم في يومه، فيرمي اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر في اليوم الثاني عشر، وجمرة العقبة يوم العيد في يوم العيد، ولا يؤخرها إلى آخر يوم، هذا وإن كان قد رخص فيه بعض أهل العلم، فإن ظاهر السنة المنع منه إلا لعذر.

أخطاء تقع عند الرمي ((تتمة))


(١) تقدم تخريجه (٣٢٥)
(٢) تقدم تخريجه (١١١)

<<  <   >  >>