للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ) : (يُتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ) قَالَ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَطَاهِرٌ هُنَا بِمَعْنَى الطَّهُورِ لِمَا سَيَأْتِي فِي نَفْيِ التَّيَمُّمِ بِالْمُسْتَعْمَلِ. (حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْإِرْمَنِيِّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَمِنْ شَأْنِ التُّرَابِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ. (وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ) لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ فَهُوَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ بِخِلَافِ مَا لَا غُبَارَ فِيهِ (لَا بِمَعْدِنٍ) كَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ بِكَسْرِ الزَّايِ (وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ) وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُشْوَى كَالْكِيزَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ. (وَمُخْتَلَطٌ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْخَلِيطَ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ (وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ) كَمَا فِي الْمَاءِ (وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ) كَالْمَاءِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ

ــ

[حاشية قليوبي]

التَّيَمُّمُ لِحَدَثِهِ الْأَكْبَرَ إنْ أَرَادَ فَرْضًا غَيْرَ مَا فَعَلَهُ وَإِلَّا كَفَاهُ الْوُضُوءُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى فَرْضًا، وَكَذَا الْجُنُبُ لَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لِعِلَّةٍ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَّا إنْ كَانَ فَعَلَ فَرْضًا وَأَرَادَ فَرْضًا آخَرَ كَمَا تَقَدَّمَ.

(تَتِمَّةٌ) لَوْ رَفَعَ السَّاتِرَ فَرَأَى الْعِلَّةَ قَدْ انْدَمَلَتْ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ كَانَتْ بِالْمَسْحِ مَعَ الِانْدِمَالِ وَلَوْ احْتِمَالًا، وَلَوْ سَقَطَ السَّاتِرُ أَوْ تَوَهَّمَ الْبُرْءَ فَرَفَعَهُ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِمَا مِنْ الصَّحِيحِ شَيْءٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرَدُّدِهِ فِي صِحَّتِهَا لَا تَيَمُّمِهِ لِبَقَاءِ مُوجِبِهِ وَتَحَقُّقِ الْبُرْءِ كَوِجْدَانِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ فِي التَّفْصِيلِ الْآتِي. فَصْلٌ فِيمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا

قَوْلُهُ: (يُتَيَمَّمُ) أَيْ يَصِحُّ أَنْ يُتَيَمَّمَ إلَخْ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِ الْجَوَازِ وَهُوَ إمَّا بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (بِتُرَابٍ) هُوَ اسْمُ جِنْسٍ.

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ جَمْعٌ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ الرَّغَامُ بِفَتْحِ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: (طَاهِرٍ) وَلَوْ احْتِمَالًا كَتُرَابِ مَقْبَرَةٍ لَمْ تُنْبَشْ يَقِينًا أَوْ بِاجْتِهَادٍ كَأَنْ تَنَجَّسَ أَحَدُ جَانِبَيْ الصُّبْرَةِ مِنْ التُّرَابِ أَوْ كَانَ بِهِ خَلِيطٌ مَانِعٌ وَاجْتُهِدَ فِيهِمَا سَوَاءٌ تَفَرَّقَتْ أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ بِجَمِيعِهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَفْرِيقِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الطَّهُورِ) .

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الطَّهُورَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُسْتَعْمَلٍ تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَيَّدَ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا دَخَلَ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ أَوْلَى إذَا التَّصْرِيحُ بِالْمَفْهُومِ مِنْ شَأْنِ الشُّرُوحِ، فَدَعْوَى أَنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ) تَعْمِيمٌ فِي إرَادَةِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ كَمَا فِي أَنْوَاعِ الْمَاءِ بَيَاضٌ أَوْ حُمْرَةٌ أَوْ خُضْرَةٌ أَوْ غَيْرُهَا.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ شَأْنِ إلَخْ) فَذِكْرُهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ: (وَبِرَمْلٍ) أَيْ لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ فِيهِ غُبَارٌ، أَيْ مِنْهُ كَأَنْ سُحِقَ حَتَّى صَارَ لَهُ غُبَارٌ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّمَلَ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، فَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ مِنْ الرَّمْلِ بَلْ هُوَ فِيهِ، وَأَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ وَبِغُبَارٍ فِي رَمْلٍ خِلَافُ الصَّوَابِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيُشْوَى) أَيْ يُحْرَقُ بِأَنْ يَصِيرَ كَالْحَجَرِ أَوْ الرَّمَادِ أَمَّا سَوَادُهُ بِالشَّيِّ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَزَفًا. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) مِنْهُ رَمْلٌ يَلْصَقُ وَفُتَاتُ أَوْرَاقٍ تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ)

ــ

[حاشية عميرة]

[فَصْلٌ يُتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ]

(فَصْلٌ) قَوْلُ الْمَتْنِ ": (يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ) ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى جَوَازِهِ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْأَحْجَارِ وَغَيْرِهَا وَذَهَبَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى ذَلِكَ، وَزَادَ الصِّحَّةَ بِكُلِّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ كَالْأَشْجَارِ وَالزُّرُوعِ لَنَا الْآيَةُ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ خُصُوصًا مَعَ قَوْله تَعَالَى " مِنْهُ " فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْضُهُ، وَقَدْ أَنْصَفَ الزَّمَخْشَرِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ سُؤَالًا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت هُوَ كَمَا يَقُولُ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ اهـ. وَلَنَا مِنْ السُّنَّةِ أَيْضًا حَدِيثُ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا وَفِي رِوَايَةٍ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: وَطَهُورًا، وَالتُّرَابُ اسْمُ جِنْسٍ.

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: جَمْعٌ وَاحِدَهُ تُرَابَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَمِنْ شَأْنِ التُّرَابِ) أَيْ فَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ تَقْيِيدَهُ فِي الْغُبَارِ كَمَا فَعَلَ فِي الرَّمْلِ لِذَلِكَ لَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُرَابٌ لَهُ غُبَارٌ.

وَلِذَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ التُّرَابِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ) أَيْ مِنْهُ حَتَّى لَوْ سَحَقَ الرَّمْلَ وَتَيَمَّمَ بِهِ جَازَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ.

قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ الْمَذْكُورَةِ: التَّيَمُّمُ بِالْغُبَارِ لَا بِالرَّمَلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمُخْتَلِطٌ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) وَلَوْ مِنْ فُتَاتِ الْأَوْرَاقِ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ بِكَثْرَةٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ) نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>