للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ) فِي التَّهْذِيبِ، (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَعَنَ فَاعِلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ، وَعَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ» ثُمَّ السِّمَةُ فِي نَعَمِ صَدَقَةِ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَفِي نَعَمِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْفَيْءِ جِزْيَةٌ أَوْ صِغَارٌ.

فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَكَافِرٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا وَفِي الْبَيَانِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا مُظْهِرَ الْفَاقَةِ، وَهُوَ حَسَنٌ وَفِي الْحَاوِي الْغَنِيُّ بِمَالٍ، أَوْ بِصَنْعَةٍ سُؤَالُهُ حَرَامٌ، وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ انْتَهَى، (وَدَفْعُهَا سِرًّا، وَفِي رَمَضَانَ وَلِقَرِيبٍ وَجَارٍ أَفْضَلُ) ،

ــ

[حاشية قليوبي]

الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْإِخْرَاجُ عِنْدَ التَّصْفِيَةِ وَالْجُذَاذِ. قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ) سَوَاءٌ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وُسِمَ) بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْضًا، وَهُوَ لُغَةً: التَّأْثِيرُ بِالْكَيِّ بِالنَّارِ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْوَجْهِ خَاصَّةً، وَالثَّانِي أَعَمُّ. قَوْلُهُ: (نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ) هُوَ قَيْدٌ لِلنَّدْبِ فَغَيْرُهَا مُبَاحٌ، وَمَوْضِعُهُ مِثْلُهَا، وَأَمَّا الْكَيُّ لِغَيْرِ الْوَسْمِ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا، إلَّا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ، وَأَمَّا الْخِصَاءُ فَحَرَامٌ إلَّا فِي مَأْكُولٍ صَغِيرٍ عُرْفًا لِطِيبِ لَحْمِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْإِنْزَاءُ فَجَائِزٌ فِيمَا لَا يَضُرُّ نَحْوُ مِثْلِهِ، أَوْ مُقَارِبِهِ كَخَيْلٍ بِمِثْلِهَا أَوْ بِحَمِيرٍ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ كَخَيْلٍ لِبَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ وَمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ يُرَادُ بِهِ الْكَرَاهَةُ خَشْيَةَ قِلَّةِ الْخَيْلِ. قَوْلُهُ: (صُلْبٌ) بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرٌ) بِالظَّاءِ الشَّامِلَةِ أَيْ لِلنَّاسِ. قَوْلُهُ: (فِي الْغَنَمِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمَعْزِ، وَمِثْلُهَا مَا قَارَبَهَا كَالْغَزَالِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْأَفْخَاذُ) وَكَذَا الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْفِيلَةُ وَنَحْوُهَا وَوَسْمُ الْغَنَمِ أَلْطَفُ، وَفَوْقَهُ الْحَمِيرُ، وَفَوْقَهُ الْبَقَرُ وَالْبِغَالُ وَفَوْقَهُ الْإِبِلُ، وَفَوْقَهُ الْفِيلَةُ. قَوْلُهُ: (لَا صَحَّ يَحْرُمُ) أَيْ فِي الْوَجْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ الْكَرَاهَةُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ طُرُقٌ، أَوْ أَوْجُهٌ مَعَ احْتِمَالِهِ لَهُمَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (لَعَنَ اللَّهُ إلَخْ) وَفِي نُسْخَةٍ: لَعْنُ فَاعِلِهِ بِالْإِضَافَةِ، وَجَازَ لَعْنُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ لِمُعَيَّنٍ وَلَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ كَالْجَمَادِ نَعَمْ يَجُوزُ لَعْنُ كَافِرٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ) أَوْ طُهْرَةٌ أَوْ لِلَّهِ وَهُوَ أَبْرَكُ وَأَوْلَى وَلَا نَظَرَ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ مُلَاقَاتِهِ لِنَجَاسَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَفِي نَعَمِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْفَيْءِ جِزْيَةٌ أَوْ صَغَارٌ) وَفِي بَقِيَّةِ الْفَيْءِ فَيْءٌ وَيَكْفِي عَنْ اللَّفْظِ أَكْبَرُ حُرُوفِهِ كَالْكَافِ مِنْ زَكَاةٍ وَالْجِيمِ مِنْ الْجِزْيَةِ.

فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ بِمَعْنَى الْغَيْرِ وَاجِبَةٍ فَصَحَّ الْإِخْبَارُ سُنَّةً أَيْ مُؤَكَّدَةً وَهَذَا بِاعْتِبَارِ دَفْعِهَا أَيْ إعْطَائِهَا سُنَّةً مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَوْ نَبِيًّا أَوْ كَافِرًا إلَّا لِمَانِعٍ كَإِعَانَةٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَذِكْرُ الْحِلِّ الْآتِي بِاعْتِبَارِ أَخْذِهَا وَقَبُولِهَا وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَلَوْ لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ عَلَى مَا يَأْتِي لَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَحِلُّ لَهُ وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحِلِّ فِيهِمْ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَتَحِلُّ) بِمَعْنَى يَحِلُّ قَبُولُهَا كَمَا مَرَّ بَلْ يَجِبُ عَلَى نَحْوِ مُضْطَرٍّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِغَنِيٍّ) بِمَا فِي الزَّكَاةِ قَالَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِهِ اعْتِبَارُ الْفِطْرَةِ كَ ابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَكَافِرٍ) أَيْ غَيْرِ حَرْبِيٍّ وَكَذَا لَهُ مَعَ رَجَاءِ إسْلَامٍ أَوْ قَرَابَةٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ) هُوَ بَيَانٌ لِمَفْهُومِ يُسْتَحَبُّ وَتَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالتَّنَزُّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ قَبُولَهَا، وَسُؤَالُهُ وَلَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُظْهِرْ الْفَاقَةَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِصَنْعَةٍ) وَكَذَا بِكَسْبٍ. قَوْلُهُ: (سُؤَالُهُ حَرَامٌ) أَيْ عِنْدَ إظْهَارِ الْفَاقَةِ أَوْ مَعَ إلْحَاحٍ أَوْ إيذَاءٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمَسْئُولِ أَوْ إلْجَاءٍ إلَى الْإِعْطَاءِ لِحَيَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ) أَيْ عِنْدَ شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَوْ عِنْدَ فَقْدِ صِفَةٍ أَعْطَى لِأَجْلِهَا قَالَ شَيْخُنَا: وَحَيْثُ حَرُمَ لَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَّا إذَا عَلِمَ الْمُعْطِي بِحَالِهِ فَيَمْلِكُهُ، وَلَا حُرْمَةَ إلَّا إنْ أَخَذَهُ بِسُؤَالٍ أَوْ إظْهَارِ فَاقَةٍ فَيَمْلِكُهُ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَحَيْثُ أَعْطَاهُ عَلَى ظَنِّ صِفَةٍ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهَا وَلَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَمْلِكْ مَا أَخْذَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ عُقُودِ التَّبَرُّعِ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَقْفٍ وَنَذْرٍ وَوَصِيَّةٍ فَرَاجِعْهُ.

تَنْبِيهٌ: مَتَى حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ وَأَعْطَاهُ لِأَجْلِ صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُ مَا أَخَذَهُ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ بِهِ رَغِيفًا لَمْ يَجُزْ لَهُ صَرْفُهُ فِي إدَامٍ مَثَلًا أَوْ أَعْطَاهُ رَغِيفًا لِيَأْكُلَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَلَا التَّصَدُّقُ بِهِ، وَهَكَذَا إلَّا إنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةٌ بِأَنْ ذَكَرَ الصِّفَةَ لِنَحْوِ تَجَمُّلٍ كَقَوْلِهِ

ــ

[حاشية عميرة]

تَنْبِيهٌ الْكَيُّ بِالنَّارِ جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ، وَتَرْكُهُ تَوَكُّلًا أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ خِصَاءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فِي الصِّغَرِ فَقَطْ. وَيَحْرُمُ فِي غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ الصِّغَرِ الْعُرْفُ، وَيَحْرُمُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَيُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي قِلَّتِهَا.

[فَصْل صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ]

ِ سُنَّةٌ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى وُجُوبِ قَبُولِهَا عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ، فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} [النساء: ٤] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُسْتَشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ» . قَوْلُهُ: (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ، وَإِلَّا فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُهُ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ وَنَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>