للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقِ لَوْ نَكَحَهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالرَّضَاعِ، وَقِيلَ فُرْقَةُ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَلَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ بِالْفِسْقِ، وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَالْأَصَحُّ قَبُولُ قَوْلِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ، وَهِيَ تُرِيدُ رَفْعَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ دُخُولٍ، فَلَا مَهْرَ لِإِنْكَارِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَلَهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرُ الْمِثْلِ.

(وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ) بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهَا كَأَنْ قَالَتْ رَضِيت بِهِ أَوْ أَذِنْت فِيهِ، (حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا) بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ احْتِيَاطًا لِيُؤْمَنَ إنْكَارُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا لَيْسَ مِنْ نَفْسِ النِّكَاحِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْإِشْهَادُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ.

فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإِذْنٍ مِنْ وَلِيِّهَا وَلَا دُونَ إذْنِهِ (وَلَا غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ) عَنْ الْوَلِيِّ وَلَا بِوِلَايَةٍ، (وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ) بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ قَطْعًا لَهَا عَنْ هَذَا الْبَابِ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ، وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤] ، وَتَقَدَّمَ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (فِي الْمَهْرِ) إنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْمُسَمَّى عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمِثْلُ الْمَهْرِ غَيْرُهُ فَتَرِثُهُ أَيْضًا، لَكِنْ إنْ حَلَفَتْ أَنَّ الْعَقْدَ بِعَدْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (قَبُولُ قَوْلِهِ) أَيْ بِيَمِينِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِلَا شُهُودٍ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (فَلَا مَهْرَ) أَيْ إلَّا إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً، أَوْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ) هُوَ قَيْدٌ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ الرِّضَا فَيُسَنُّ اسْتِئْذَانُ مُجْبَرَةٍ بَالِغَةٍ، وَكَذَا مُمَيِّزَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ) وَحِينَئِذٍ يَكْفِي إقْرَارُهَا أَوْ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ مَعَ إخْبَارِ الْوَلِيِّ أَوْ عَكْسِهِ وَلَوْ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَكْفِي أَيْضًا إخْبَارُ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ امْرَأَةٍ، حَيْثُ ظَنَّ صِدْقَهُمْ، وَلَا يَكْفِي فِي الْإِذْنِ هُنَا سُكُوتُهَا.

فَصْلٌ فِي عَاقِدِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْأَرْكَانِ السَّابِقَةِ وَمَا مَعَهُ قَوْلُهُ: (لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى. قَوْلُهُ: (وَلَا بِوَكَالَةٍ عَنْ الْوَلِيِّ) أَيْ بِأَنْ يُوَكِّلَهَا الْوَلِيُّ لِتَعْقِدَ لِنَفْسِهَا عَنْهُ، فَإِنْ وَكَّلَهَا لِلتَّوْكِيلِ مَنْ يَعْقِدُ لَهَا عَنْهُ فَقَطْ صَحَّ فَإِنْ قَالَ وَكِّلِي عَنْك أَوْ عَنَّا أَوْ وَكَّلْت كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَيَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَهَا أَجْنَبِيٌّ لِتُوَكِّلَ عَنْهُ مَنْ يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ، وَلَا يَصِحُّ إذْنُهَا لِعَبْدِهَا أَوْ نَحْوِهِ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَخَرَجَ بِإِذْنِهَا تَوْكِيلُهَا لِمَنْ يُزَوِّجُهَا فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَحْكِيمِهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِوِلَايَةٍ) نَعَمْ إنْ وَلِيَتْ الْوِلَايَةَ الْعُظْمَى صَحَّ تَزْوِيجُهَا لِلضَّرُورَةِ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا، كَمَا يَشْمَلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ إلَخْ) سَوَاءٌ فِي الشِّقَّيْنِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، نَعَمْ لَوْ عَقَدَتْ فِي الْكُفْرِ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا، وَأَسْلَمُوا أُقِرُّوا عَلَى النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إلَخْ) فَمَعْنَى قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ قِيَامُهُمْ بِمَصَالِحِهِنَّ، وَمِنْهَا وِلَايَةُ تَزْوِيجِهِنَّ، كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ الْحَدِيثُ بَعْدُهُ وَتَذْكِيرُ الْوَلِيِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ذُكُورَتِهِ. وَإِرَادَةُ التَّغْلِيبِ فِيهِ مَدْفُوعَةٌ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَيُقَاسُ قَبُولُهَا عَلَى إيجَابِهَا أَوْ أَنَّ التَّزْوِيجَ شَامِلٌ لَهُمَا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّارِحِ بِسُكُوتِهِ عَنْ قَبُولِهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْوَطْءُ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ وَإِنْ حَرُمَ يُوجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الرَّشِيدِ وَلَوْ رَقِيقًا مَهْرَ مِثْلٍ أَيْ مَهْرَ ثَيِّبٍ فِيهَا وَمَهْرَ بِكْرٍ فِيهَا لَا أَرْشَ بَكَارَةٍ؛ لِأَنَّ فَاسِدَهُ كَصَحِيحِهِ وَفَارَقَ وُجُوبَ الْأَرْشِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ الصَّرِيحَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فِيهِ الْوَطْءُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُصَحِّحُهُ) أَيْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْإِمَامُ مَالِكٍ يُصَحِّحُهُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَالْإِمَامُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ يُصَحِّحُهُ بِدُونِهِمَا مَعًا وَلَا حَدَّ فِيهِمَا أَيْضًا نَعَمْ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ إنْ عَلِمَ قَبْلَ وَطِئَهُ.

ــ

[حاشية عميرة]

لِذَلِكَ أَثَرٌ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُخْتَهُمَا مَثَلًا، ثُمَّ تَمُوتَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُمَا وَارِثَاهَا فَلَا مَهْرَ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالَتْ إلَخْ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْإِذْنِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّضَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يُشْتَرَطُ) قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ فِي النِّكَاحِ رُكْنٌ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْإِثْبَاتُ وَالِاحْتِيَاطُ فِي شَأْنِ الْأَبْضَاعِ، وَالْوَفَاءُ بِهَذَا الْغَرَضِ يُوجِبُ الْإِشْهَادَ عَلَى رِضَاهَا اهـ.

وَعَلَّلَ فِي الذَّخَائِرِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ بِأَنَّهُ إذْنٌ كَالْإِذْنِ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ.

[فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإِذْنٍ مِنْ وَلِيِّهَا وَلَا دُونَ إذْنِهِ وَلَا غَيْرَهَا]

فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا قَوْلُهُ: (وَلَا وِلَايَةَ) أَيْ وَلَا مِلْكَ.

فَائِدَةٌ: اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَا لَوْ تَغَلَّبَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، فَإِنَّهَا تُنَفِّذُ أَحْكَامَهَا لِلضَّرُورَةِ فَلَهَا عَلَى هَذَا مُبَاشَرَةُ عَقْدِ الْأَنْكِحَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ) أَيْ وَلَيْسَتْ كَالْفَاسِقِ يَكُونُ وَكِيلًا؛ لِأَنَّ مَانِعَهُ غَيْرُ لَازِمٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا إلَّا فِي مِلْكِهَا أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مَجْنُونٍ هِيَ وَصِيَّةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا) زَادَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ «فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» .

قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ النِّكَاحِ) أَيْ وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» ثُمَّ الْوَطْءُ فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ مُتَنَاوِلٌ لَهُ فِي الْقُبُلِ، وَالدُّبُرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُقَرِّرُ الْمَهْرَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُوجِبُ الْمَهْرَ دُونَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، كَالصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوَطْءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>