للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ. .

. فَصْلٌ إذَا (قَالَتْ رَشِيدَةٌ) لِوَلِيِّهَا (زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ) عَنْهُ (فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ) وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ (وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ) أَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ.

(وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ) فَإِذَا قَالَتْ السَّفِيهَةُ زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ اسْتَفَادَ بِهِ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ وَلَغَا التَّفْوِيضُ.

(وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) ، وَالثَّانِي يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ

ــ

[حاشية قليوبي]

فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ هُوَ لُغَةً رَدُّ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، نَحْوُ فَوَّضْت أَمْرِي إلَى اللَّهِ أَوْ الْإِهْمَالُ لِقَوْلِهِمْ:

لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا

وَالسَّرَاةُ بِفَتْحِ السِّينِ أَهْلُ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ كَالْأُمَرَاءِ وَاصْطِلَاحًا رَدُّ أَمْرِ الْمَهْرِ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى غَيْرِهَا، نَحْوُ زَوِّجْنِي بِمَا شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، وَهَذَا فِي الْحُرَّةِ أُورِدَ أَمْرُ الْبُضْعِ إلَى الزَّوْجِ مُطْلَقًا أَوْ إلَى الْوَلِيِّ فِي الْحُرَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ مُفَوِّضَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَيَصِحُّ فَتْحُهَا فِي الثَّانِي لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا لِلزَّوْجِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي الْفَصَاحَةِ نَظَرٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يُرَادَ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ.

قَوْلُهُ: (قَالَتْ رَشِيدَةٌ) وَلَوْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ) أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لِي وَإِنْ زَادَتْ مَعَ ذَلِكَ لَا قَبْلَ الْوَطْءِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا حَالًا وَلَا مَآلًا فَإِنْ سَكَتَتْ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ فَلَيْسَ تَفْوِيضًا وَكَذَا لَوْ ذَكَرَتْهُ مُقَيَّدًا بِغَيْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ قَدْرًا أَوْ صِفَةً وَيُزَوِّجُهَا بِمَا ذَكَرَتْهُ.

قَوْلُهُ: (وَنَفَى الْمَهْرَ) أَوْ سَكَتَ عَنْهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ تَفْوِيضٌ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِهِ مِنْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ وَفَارَقَ السُّكُوتَ هُنَا مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِيهِ بِالْعَقْدِ لِاسْتِنَادِهِ هُنَا إلَى تَفْوِيضٍ، وَذِكْرِ السَّيِّدِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ مَثَلًا لَيْسَ تَفْوِيضًا فَيَقَعُ الْعَقْدُ بِمَا سَمَّاهُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ. قَوْلُهُ: (زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ) أَوْ سَكَتَ كَمَا يَأْتِي وَيَصِحُّ تَفْوِيضُ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِأَنَّ تَبَرُّعَهَا جَائِزٌ، بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَيَصِحُّ تَفْوِيضُ الْمَرِيضَةِ إنْ لَمْ تَمُتْ أَوْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ تَبَرُّعَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ، كَذَا قَالُوا وَفِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ تَبَرُّعًا نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْفَرْضِ أَوْ الْوَطْءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالنَّظَرِ إلَى صُورَةِ الْعَقْدِ، أَوْ إلَى فَرْضٍ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ سَكَتَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي تَزْوِيجِهِ لَهَا مَصْلَحَةٌ وَبِذَلِكَ فَارَقَ سُكُوتَ وَلِيِّ الْحُرَّةِ:

تَنْبِيهٌ: سُكُوتُ الْمُوَكِّلِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ سَيِّدٍ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ لِلْوَكِيلِ لَيْسَ تَفْوِيضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَذَا سُكُوتُ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَلِيِّ أَوْ السَّيِّدِ حَالَ عَقْدِهِ، وَإِنْ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ شَيْءٌ) فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَلَا إسْقَاطُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَجِبُ) وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى التَّفْوِيضِ إخْلَاءُ الْعَقْدِ. عَنْ ذِكْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ) اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُورَتَيْنِ لَا مَهْرَ فِيهِمَا بِالْوَطْءِ إحْدَاهُمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ بَاعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ وُجِدَ الْوَطْءُ ثَانِيَتُهُمَا لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ مُفَوِّضَةً وَاعْتِقَادُهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ ثُمَّ أَسْلَمَا ثُمَّ وَطِئَ وَالتَّرَافُعُ إلَيْنَا كَالْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ بِحَالِ الْعَقْدِ) أَيْ إنْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالثَّانِي بِحَالِ الْوَطْءِ أَيْ إنْ كَانَ فِيهَا أَكْثَرُ وَكَذَا مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ.

ــ

[حاشية عميرة]

[فَصْلٌ قَالَتْ رَشِيدَةٌ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ]

فَصْلٌ: قَالَتْ رَشِيدَةٌ قَوْلُهُ: (غَيْرُ رَشِيدَةٍ) الْأَحْسَنُ غَيْرُ مُطْلَقَةِ التَّصَرُّفِ فَإِنَّ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا غَيْرُ رَشِيدَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ تَصَرُّفُهَا نَافِذٌ إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ شَيْءٌ) إذْ لَوْ وَجَبَ لِتَشَطَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ سِوَى الْمُتْعَةِ، وَقَوْلُهُ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْفَاسِدِ كَالْخَمْرِ وَكَغَيْرِ الرَّشِيدَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا يَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَى هَذِهِ أَيْضًا مُنْقَضِيًا بِالْعَقْدِ بَلْ يَنْتَظِرُ مَعَ ذَلِكَ إلَى حَالَةِ الْوَطْءِ وَإِلَّا لِتَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ لَا يَجِبُ قَطْعًا إلَّا عَلَى وَجْهٍ شَاذٍّ اهـ.

وَتَوْجِيهُ مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ النَّظَرُ إلَى أَنَّ الْبُضْعَ يَجِبُ لِلزَّوْجِ بِالْعَقْدِ وَإِلَى أَنَّ الْمَهْرَ يَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>