للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالطَّلَاقِ، وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْهِبَةِ أَمْ لَا فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ إنْ وَهَبَتْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ تَرْجِعْ قَطْعًا (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْأَظْهَرُ (لَوْ وَهَبَتْهُ النِّصْفَ فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ وَفِي قَوْلٍ النِّصْفُ الْبَاقِي) ، لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ وَجَدَهُ فَيَأْخُذُ وَتَنْحَصِرُ هِبَتُهَا فِي نَصِيبِهَا (وَفِي قَوْلٍ يُتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِ الْبَاقِي وَرُبُعِ بَدَلِ كُلِّهِ) ، كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْفَقَ وَلَوْ قَالَ نِصْفُ بَدَلِهِ كُلِّهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ أَوْ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، بِالْوَاوِ كَانَ أَقْوَمَ.

(وَلَوْ كَانَ) الصَّدَاقُ (دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ) ، مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) ، بِخِلَافِ هِبَةِ الْعَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّهَا فِي الدَّيْنِ لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مَالًا وَلَمْ تَتَحَصَّلْ عَلَى شَيْءٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ قَوْلَيْ الْهِبَةِ وَاتَّفَقَ مُثْبِتُوهُمَا عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الرُّجُوعِ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالْمِنْهَاجِ.

(وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ عَلَى الْجَدِيدِ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ لِلْمُولِيَةِ وَالْقَدِيمِ لِلْمُجْبَرِ الْعَفْوُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَحَمَلَهُ الْجَدِيدُ عَلَى الزَّوْجِ يَعْفُو عَنْ نِصْفِهِ.

فَصْلٌ. لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءِ مُتْعَةٍ إنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا (شَطْرُ مَهْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً، وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا شَيْءٌ قَالَ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦]

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ ضَمَانُ يَدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ ضَمَانُ عَقْدٍ كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) وَالْمُنَاسِبُ لِهَذَا التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: (وَتَنْحَصِرُ) وَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَذَا قَوْلَ الْحَصْرِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَوْلَ الْإِشَاعَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْفَقَ) أَيْ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ: (الْجَارِيَةِ) جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (أَقُومَ) لِأَنَّهُ لَا يُعْطَفُ بِهَا بَعْدَ بَيْنَ.

قَوْلُهُ: (فَأَبْرَأَتْهُ) وَلَوْ بِلَفْظِ هِبَةٍ أَوْ عَفْوٍ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ كَمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ الْإِبْرَاءِ فَإِنْ قَبَضَتْهُ وَأَعَادَتْهُ إلَيْهِ فَهُوَ مِنْ هِبَةِ الْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَلَّقَ) صَرِيحٌ فِي تَقْدِيمِ الْإِبْرَاءِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَكَذَا لَوْ قَارَنَهُ وَكَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَقَوْلِهَا أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي، فَفَعَلَ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَيْضًا خِلَافًا لِلْحَضْرَمِيِّ الْقَائِلِ بِالرُّجُوعِ وَلِابْنِ عُجَيْلٍ الْقَائِلِ بِبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا هُنَا كَلَامٌ فِيهِ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَاتَّفَقَ مُثْبِتُوهُمَا) أَيْ الطَّرِيقَيْنِ هَذَا اعْتِذَارٌ عَنْ نَفْسِهِ فِي حَمْلِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ.

قَوْلُهُ: (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) أَيْ فِي آيَةِ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَمُنِعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عُقْدَةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجُ. قَوْلُهُ: (عَنْ نِصْفِهِ) أَيْ لِيُسَلِّم لَهَا كُلَّ الْمَهْرِ.

فَصْلٌ فِي الْمُتْعَةِ وَهِيَ لُغَةً مِنْ التَّمَتُّعِ بِالْأُمُورِ وَشَرْعًا مَالٌ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِمُفَارَقَةٍ بِشُرُوطٍ وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَعْلِيمُهَا لِلنِّسَاءِ، وَيُشَاعُ أَمْرُهَا بَيْنَهُنَّ لِيَعْرِفْنَهَا وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَى وُجُوبِهَا لُزُومُهَا لِذِمَّةِ الزَّوْجِ مُوسِعًا أَوْ مُضَيِّقًا، فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا أَوْ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى طَلَبِهَا رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (لِمُطَلَّقَةٍ) أَيْ لِمُفَارَقَةٍ يَجِبُ لَهَا شَطْرُ مَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ الْفِرَاقُ بِخُلْعٍ وَلِعَانٍ وَلَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا وَهِيَ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ وَلِسَيِّدِ الْأَمَةِ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ بِعَبْدِهِ فَلَا مُتْعَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا جُنَاحَ) أَيْ لَا تَبِعَةَ بِإِثْمٍ وَلَا مَهْرَ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَفْرِضُوا) دُخُولُ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهُ إلَخْ) هَذَا يُوهِمُ صِحَّةَ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ أَعْنِي جَعْلَ الصَّدَاقِ مَضْمُونًا عَلَى الزَّوْجِ ضَمَانَ يَدٍ وَلَوْ كَانَ دَيْنًا فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وَهَبَتْهُ، فَهُوَ كَالْعَيْنِ ابْتِدَاءً وَلَوْ بَاعَتْهُ مُحَابَاةً رَجَعَ قَطْعًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَيْضًا غَرَضُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَنَّ الْقَوْلَيْنِ ثَابِتَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمْ قَبْلَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا، وَذَلِكَ إذَا قُلْنَا بِضَمَانِ الْيَدِ قَوْلُهُ: (بَدَلَ كُلِّهِ) أَيْ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَرَدَتْ عَلَى مُطْلَقِ الْجُمْلَةِ فَيَشِيعُ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلٍ: يَتَخَيَّرُ إلَخْ) أَيْ لِمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْقِيصِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (كَانَ أَوْفَقَ) أَيْ لِمَا عَبَّرَ بِهِ هُنَا وَفِيمَا سَلَفَ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ الْمُوَافِقَةَ لِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ أَعْنِي قِيمَةَ النِّصْفِ دُونَ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا تَعْبِيرُهُ بِرُبْعِ الْبَدَلِ فَلَا إشْكَالَ فِي مُوَافَقَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ دَيْنًا إلَخْ) نَظِيرُ هَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَضْمُونُ لَهُ الضَّامِنَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَوْ قَبَضَ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ لِلْمُجْبَرِ الْعَفْوُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ دَيْنًا قَالَهُ الْمُرَاوَزَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَنَازَعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ. قَوْلُهُ: (وَحَمَلَهُ الْجَدِيدُ عَلَى الزَّوْجِ) يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: ٢٣٧] فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ الْوَلِيُّ لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُقَالَ عَفْوُ الْوَلِيِّ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى مِنْ عَفْوِ الزَّوْجَةِ، إذْ الْعَفْوَانِ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ حَمْلِهِ عَلَى الزَّوْجِ، لَكِنْ قَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {وَأَنْ تَعْفُوا} [البقرة: ٢٣٧] رَاجِعًا لِلْأَزْوَاجِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] بِالْوَلِيِّ وَفِيهِ بُعْدٌ وَأَمَّا تَغْيِيرُ التَّكَلُّمِ فِي الْأَوَّلِ بِالْغَيْبَةِ أَعْنِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ} [البقرة: ٢٣٧] إلَخْ. وَإِنْ كَانَ مُرَجِّحًا لِلْقَدِيمِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَيُجَابُ بِأَنَّ الِالْتِفَاتَ فَنٌّ مِنْ الْبَلَاغَةِ، ثُمَّ وَجْهُ الْقَدِيمِ تَرْغِيبُ الْكُفْءِ فِي الْمُولِيَةِ بِحُسْنِ مُعَامَلَةِ أَوْلِيَائِهَا.

[فَصْلٌ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءِ مُتْعَةٍ إنْ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَطْرُ مَهْرٍ]

فَصْلٌ

لِمُطَلَّقَةٍ أَيْ وَلَوْ بِخَلْعٍ. قَوْلُهُ: (قَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٢٣٦] إلَخْ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَفْهُومُ الْآيَةِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ إيجَابِ الْمُتْعَةِ بِالْمُفَوِّضَةِ الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا الزَّوْجُ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الْمَمْسُوسَةَ الْمُفَوِّضَةَ وَغَيْرَهَا قِيَاسًا وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>