للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَقَوْلِهِ: رَدَدْتُكِ، أَوْ مَسَكْتُكِ (صَرِيحَانِ) أَيْضًا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] أَيْ فِي الْعِدَّةِ {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] أَيْ رَجْعَةً كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] .

وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ يُحْتَاجُ مَعَهُمَا إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ، وَالثَّانِيَ يَحْتَمِلُ الْإِمْسَاكَ فِي الْبَيْتِ، أَوْ بِالْيَدِ (وَأَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ) كَقَوْلِهِ: تَزَوَّجْتُكِ، أَوْ نَكَحْتُكِ (كِنَايَتَانِ) وَالثَّانِي: هُمَا صَرِيحَانِ، لِأَنَّهُمَا صَالِحَانِ لِابْتِدَاءِ الْحِلِّ، فَلَأَنْ يَصْلُحَا لِلتَّدَارُكِ أَوْلَى وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ (وَلْيَقُلْ: رَدَدْتُهَا إلَيَّ، أَوْ إلَى نِكَاحٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّدَّ صَرِيحٌ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّةٍ. وَقِيلَ: لَا تُشْتَرَطُ الْإِضَافَةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا فِي لَفْظِ الرَّجْعَةِ. وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لَفْظَ الرَّجْعَةِ مَشْهُورٌ فِي مَعْنَاهَا بِخِلَافِ لَفْظِ الرَّدِّ الْمُطْلَقِ لِإِيهَامِهِ الْمَعْنَى الْمُقَابِلَ لِلْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ خِلَافُ اشْتِرَاطِ الْإِضَافَةِ فِي لَفْظِ الْإِمْسَاكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ. وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: أَمْسَكْتُكِ عَلَى زَوْجِيَّتِي مَعَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي لَفْظِ الرَّدِّ وَتَبِعَهُ فِي النِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَأَفْهَمَ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الِاشْتِرَاطُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ الْإِشْهَادُ) فِي الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَالْقَدِيمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا لَا لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، بَلْ الظَّاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] أَيْ عَلَى الْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الرَّجْعَةِ، وَعَلَى الْمُفَارَقَةِ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] لِلْأَمْنِ مِنْ الْجُحُودِ (فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَلَا تَصِحُّ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الِاشْتِرَاطِ، لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ.

فَرْعٌ: تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ: إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِهَا، وَإِلَّا صَحَّتْ بِهَا.

(وَلَا تُقْبَلُ) الرَّجْعَةُ (تَعْلِيقًا) كَالنِّكَاحِ فَإِذَا قَالَ: رَاجَعْتُكِ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْت لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ (وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ) وَمُقَدِّمَاتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ حُرِّمَ بِالطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَمَقْصُودُ الرَّجْعَةِ حِلُّهُ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ (وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طَلُقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا بَاقِيَةً فِي الْعِدَّةِ) بِخِلَافِ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ) أَيْ فَلَيْسَتْ الْإِضَافَةُ شَرْطًا فِي صَرَاحَتِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الرَّدِّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ إلَخْ) وَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ حَنِثَ بِرَجْعَتِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَكِيلِهِ قَوْلُهُ: (عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) فَيُسَنُّ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ - وَهُوَ وَاضِحٌ - أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَيُسَنُّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا أَيْضًا وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرْشَادٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَحْضِ الْإِرْشَادِ

قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ) وَتَرْجَمَةُ الصَّرِيحِ رَاجَعْتُكِ شَهْرًا مَثَلًا

قَوْلُهُ: (إنْ شِئْتِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَلَوْ فَتَحَهَا، أَوْ أَبْدَلَهَا بِإِذْ صَحَّتْ مِنْ النَّحْوِيِّ دُونَ غَيْرِهِ، وَتَاءُ شِئْتِ مَسْكُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهَا، فَلَوْ ضَمَّهَا فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى، وَفِيهِ بَحْثٌ فَتَأَمَّلْهُ.

قَوْلُهُ: (بِفِعْلٍ) غَيْرِ كِتَابَةٍ، أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ قَوْلُهُ: (كَوَطْءٍ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَلَوْ كَانَتْ شَافِعِيَّةً فَوَطِئَهَا وَهُوَ حَنَفِيٌّ فَلَهُ الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ. نَعَمْ لَوْ وُجِدَ مِنْ كَافِرٍ وَاعْتَقَدُوهُ رَجْعَةً أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّرَافُعِ، أَوْ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَافَعَ حَنَفِيَّانِ فَلَا نُقِرُّهُمْ إلَّا إنْ حَكَمَ لَهُمَا بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ.

قَوْلُهُ: (وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ إلَخْ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ وَهِيَ كَوْنُهَا مَوْطُوءَةً مُطَلَّقَةً مَجَّانًا بَاقِيَةً فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ طَلَاقِهَا قَابِلَةً لِلْحِلِّ، وَسَيَأْتِي كَوْنُهَا مُعَيَّنَةً.

قَوْلُهُ: (بِمَوْطُوءَةٍ) وَلَوْ لَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَاسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ كَالْوَطْءِ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُفَارَقَةِ) قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُفَارَقَةِ فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى عَدَمِهِ فِيمَا قُرِنَ بِهَا، وَلِذَا نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ الْإِشْهَادِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) لَوْ تَرَكَهُ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِقْرَارِ؟ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِحُّ بِهَا إلَخْ) هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْفَاءِ فِي الْمَتْنِ.

تَنْبِيهٌ: إجْرَاءُ هَذَا الْخِلَافِ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ: إنَّ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ يَنْفُذُ بِالْكِنَايَةِ قَطْعًا وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْقَرَائِنُ بِالْكِنَايَةِ هُنَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ صَحَّ قَطْعًا كَمَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِاشْتِرَاطِ الشُّهُودِ عَلَى قَوْلِهِ.

[فَرْعٌ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ]

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَيْفَ يَقْطَعُهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْخِيَارَ بِحَالٍ، فَجَازَ أَنْ يَقْطَعَهُ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالسَّبْيِ.

قَوْلُهُ: (بِمَوْطُوءَةٍ) قِيلَ: هُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ: مُعْتَدَّةٍ لِشُمُولِهِ مَنْ طَلُقَتْ فِي حَيْضٍ فَإِنَّهَا تُرَاجَعُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ بَلْ فِي حُكْمِهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>