للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْإِيلَاءِ (هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا (لَيَمْتَنِعَنَّ عَنْ وَطْئِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ، أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَيُمْهَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يُطَالَبَ بِالْوَطْءِ، أَوْ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: ٢٢٦] الْآيَةَ وَيَصِحُّ إيلَاءُ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَرِيضِ كَغَيْرِهِمْ، وَإِيلَاءُ السَّكْرَانِ كَطَلَاقِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَسَيَأْتِي ضَرْبُ الْمُدَّةِ مِنْ الرَّجْعَةِ وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْ الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالصَّغِيرَةِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالْوَطْءِ (طَلَاقًا، أَوْ عِتْقًا) كَقَوْلِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ (أَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ، أَوْ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا) لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَطْءِ لِمَا عَلَّقَهُ بِهِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَوْ الْعِتْقِ أَوْ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ، كَمَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَاكِمِينَ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ دُونَ الصِّفَةِ

ــ

[حاشية قليوبي]

تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّدَاقِ إذَا كَانَ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ عَيْنًا امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ نِصْفِهِ رِفْقًا بِهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ لِيَأْخُذَهُ، أَوْ يُبْرِئَهَا مِنْهُ فَإِنْ صَمَّمَ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَعْطَاهَا النِّصْفَ وَوَقَفَ النِّصْفَ الْآخَرَ إلَى الصُّلْحِ، أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

كِتَابُ الْإِيلَاءِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ آلَى بِالْمَدِّ يُؤْلِي إذَا حَلَفَ فَهُوَ - لُغَةً - الْحَلِفُ، وَكَانَ طَلَاقًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى مَا سَيَأْتِي - وَشَرْعًا - حَلِفُ زَوْجٍ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُدَّةً عَلَى مَا يَأْتِي

، وَهُوَ كَبِيرَةٌ كَالظِّهَارِ وَقَالَ الْخَطِيبُ: إنَّهُ صَغِيرَةٌ.

قَوْلُهُ: (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) مُمْكِنٌ وَطْؤُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (مِنْ وَطْئِهَا) أَيْ الْمَشْرُوعِ لَفْظًا، أَوْ تَنْزِيلًا فِي مَسْأَلَةِ لَا أَطَؤُكِ إلَّا فِي الدُّبُرِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فَخَرَجَ الِاسْتِمْتَاعُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَالْوَطْءُ فِي نَحْوِ حَيْضٍ، أَوْ دُبُرٍ وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) خَرَجَتْ الْأَرْبَعَةُ وَمَا دُونَهَا فَلَيْسَ إيلَاءً، وَإِنْ أَثِمَ بِهِ لِلْإِيذَاءِ وَهُوَ دُونَ إثْمِ الْإِيلَاءِ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ لِأَنَّهُ فِي الْإِيلَاءِ يُمْكِنُ زَوَالُ الضَّرَرِ بِطَلَبِهَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ بِخِلَافِ هَذَا فَرَاجِعْهُ، وَشَمِلَتْ الزِّيَادَةُ مَا لَوْ لَمْ تَسَعْ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ انْحَلَّتْ الْإِيلَاءُ بِفَرَاغِهَا.

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ إيلَاءُ الْعَبْدِ) وَالذِّمِّيِّ وَالْمَرِيضِ وَالْخَصِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَالْعِنِّينِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَمَةِ) أَيْ مِنْ زَوْجِهَا وَالذِّمِّيَّةِ وَالْمَرِيضَةِ، وَلَوْ مُتَحَيِّرَةً وَلَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ إلَّا مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ، أَوْ الشِّفَاءِ مِنْ الْمُتَحَيَّرِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّغِيرَةِ) وَلَوْ غَيْرَ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْوَطْءِ، وَلَا تُحْسَبُ الْمُدَّةُ إلَّا مِنْ إطَاقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا قَدْرُ الْمُدَّةِ فَلَا إيلَاءَ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ) لِأَنَّهُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ كَمَا مَرَّ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْيَمِينِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ أَعَمُّ مِنْ اللُّغَوِيِّ، وَفِي مَعْنَى الْحَلِفِ الظِّهَارُ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَوْ صَوْمٌ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الصَّوْمَ بِكَوْنِهِ مِنْ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَلَا إيلَاءَ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ قَبْلَهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُكِ فَعَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي أَطَأُ فِيهِ، فَهُوَ إيلَاءٌ فَإِذَا وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ لَزِمَهُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ وَيَجْزِيهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، وَيَقْضِي يَوْمَ الْوَطْءِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ بَلْ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ كَعَلَيَّ طَلَاقُكِ، أَوْ طَلَاقُ ضَرَّتِكِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لَوْ وَطِئَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَهُوَ مُولٍ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الْمَيْلُ إلَى عَدَمِ الْإِيلَاءِ مِنْ أَصْلِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ) نَعَمْ إنْ خَرَجَ إلَى التَّبَرُّرِ كَأَنْ كَانَتْ مَرِيضَةً مَثَلًا، وَقَالَ: إنْ وَطِئْت فَعَلَيَّ صَوْمٌ مَثَلًا، وَقَصَدَ الْمُجَازَاةَ فَلَا إيلَاءَ وَلَا إثْمَ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ.

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الْإِيلَاءِ]

ِ هُوَ مَصْدَرُ آلَى يُؤْلِي إيلَاءً أَيْ حَلَفَ، قَوْلُهُ: (زَوْجٌ) خَرَجَ بِهِ السَّيِّدُ وَالْأَجْنَبِيُّ قَوْلُهُ: (مِنْ وَطْئِهَا) أَيْ الْمَشْرُوعِ خَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَخْ) الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُفِيدُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ فَمَا دُونَهَا لَا إيلَاءَ فِيهَا وَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ فِيهَا بِالتَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْمُدَّةَ تَنْقَضِي قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ مَعَهُ، وَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا بِغَيْرِ يَمِينٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَفِي هَذِهِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الْإِيلَاءَ يَحْصُلُ بِأَيِّ زَمَنٍ، وَإِنَّمَا التَّرَبُّصُ حُكْمٌ مِنْ الشَّارِعِ بَعْدَ ذَلِكَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي مَعْنَى هَذَا تَعْلِيقُهُ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِيهَا فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى الْحَدِّ. نَعَمْ قِيلَ: هُوَ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ مَا لَوْ عَلَّقَ بِالْوَطْءِ الْتِزَامَ شَيْءٍ وَلَا مَانِعَ لِشُمُولِهِ لِعَاجِزٍ عَنْ الْوَطْءِ بِجَبٍّ، وَنَحْوِهِ قُلْت يُجَابُ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْمَذْكُورَ حَلِفٌ فَهُوَ دَاخِلٌ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَوْلُهُ (يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) ضُمِّنَ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ فَعُدِّيَ بِمِنْ وَكَذَا يُقَالُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (وَالْجَدِيدُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حَلِفًا فَشَمِلَتْهُ الْآيَةُ، قَوْلُهُ: (دُونَ الصِّفَةِ) أَيْ الصِّفَةِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>