للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِحِنْثِهِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] أَيْ يَغْفِرُ الْحِنْثَ بِأَنْ لَا يُؤَاخِذَ بِكَفَّارَتِهِ لِدَفْعِهِ ضَرَرَ الزَّوْجَةِ، وَلَوْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ قِيلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ حَنِثَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ بِأَنَّهُ بَادَرَ إلَى مَا يُطْلَبُ مِنْهُ.

كِتَابُ الظِّهَارِ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ وَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي

، فَتَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْعَوْدِ، وَيُحَرَّمُ الْوَطْءُ قَبْلَهَا كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] الْآيَةَ وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] (يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْأَجْنَبِيِّ حَتَّى إذَا نَكَحَهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا بِمَا قَالَهُ وَتَقَدَّمَ صِحَّتُهُ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّجْعَةَ عَوْدٌ (وَلَوْ ذِمِّيًّا وَخَصِيًّا) فَإِنَّهُ يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْهُمَا وَيَصِحُّ أَيْضًا مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَجْبُوبِ (وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ) فَيَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ.

(وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ، أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي، أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ (وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ يُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّ الْمَعْنَى " أَنْتِ عَلَيَّ "، وَالثَّانِي: إنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ عَلَى غَيْرِي (وَقَوْلُهُ: جِسْمُكِ، أَوْ بَدَنُكِ أَوْ نَفْسُكِ كَبَدَنِ أُمِّي، أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ) لِتَضَمُّنِهِ لِلظَّهْرِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ) أَنْتِ عَلَيَّ (كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا، أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ) كَقَوْلِهِ كَظَهْرِهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَاكِمِينَ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ دُونَ الصُّورَةِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: ٢] الْآيَةَ. (وَكَذَا)

ــ

[حاشية قليوبي]

كِتَابُ الظِّهَارِ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَذُكِرَ عَقِبَ الْإِيلَاءِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِيمَا يَأْتِي وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (هُوَ) أَيْ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ وَخُصَّ الظَّهْرُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ، وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَصُورَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ) كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ تَشْبِيهُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِمَحْرَمِهِ

كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَرَامٌ) أَيْ كَبِيرَةٌ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا أَوْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً كَمَا يَدُلُّ لَهُ السَّبَبُ الْمَذْكُورُ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ بِمَا يَأْتِي. وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ فَاشْتَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: حُرِّمْتِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: اُنْظُرْ فِي أَمْرِي فَإِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهُ وَمَعِي أَوْلَادٌ صِغَارٌ إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا فَقَالَ لَهَا: حُرِّمْتِ عَلَيْهِ فَكَرَّرَتْ وَكَرَّرَ فَلَمَّا أَيِسَتْ مِنْهُ اشْتَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: ١] الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ: (كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ) وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ الْأَرْبَعِ وَبَقِيَ مِنْهَا الزَّوْجَةُ وَالْمُشَبَّهُ بِهِ وَالصِّيغَةُ وَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذِمِّيًّا) أَيْ كَافِرًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَجْبُوبِ) وَالْمَمْسُوحِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمَةِ) مِنْ زَوْجِهَا لَا مِنْ سَيِّدِهَا

قَوْلُهُ: (كَيَدِهَا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا يَدٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ وَكَذَا مَا يَأْتِي فِي الْمُشَبَّهِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (دُونَ الصُّورَةِ) لَمْ يَقُلْ دُونَ الصِّفَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ حَلِفٌ فَهُوَ وَصْفٌ وَالظِّهَارُ صُورَةٌ مَذْكُورَةٌ. بِقَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الظِّهَارِ]

ِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَرَامٌ) أَيْ كَبِيرَةٌ قَالَ الْقَفَّالُ: لَا أَنْكَرَ مِنْ أَنْ يَعْمِدَ الْإِنْسَانُ إلَى مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، فَيُشَبِّهَهُ بِمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ الْإِقْدَامُ عَلَى إحَالَةِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَبْدِيلِهِ اهـ. ثُمَّ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ نَزَلَتْ فِي زَوْجَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ حِينَ ظَاهَرَ مِنْهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حُرِّمْتِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: اُنْظُرْ فِي أَمْرِي فَإِنِّي لَا أَصْبِرُ عَنْهُ فَقَالَ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ وَكَرَّرَتْ وَكَرَّرَ فَلَمَّا أَيِسَتْ شَكَتْ إلَى مَوْلَاهَا فَنَزَلَتْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ذِمِّيًّا) الْأَحْسَنُ وَلَوْ كَافِرًا، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ مَعَ شُمُولِ الْأَوَّلِ لَهُ لِخِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ نَاظِرِينَ إلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِتَأْدِيَةِ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَالطَّلَاقِ، وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا شَائِبَةُ الْغَرَامَةِ، وَيُتَصَوَّرُ مِلْكُهُ الْمُسْلِمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ وَكَفِّرْ إنْ شِئْت، وَإِلَّا فَلَا تَقْرَبْهَا، ظ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْسَرَ بِالْعِتْقِ وَقَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ لَا نُمَكِّنُهُ مِنْ الْعُدُولِ إلَى الْإِطْعَامِ بَلْ يُقَالُ لَهُ مَا سَلَفَ.

[صَرِيح الظِّهَار]

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ: مِنِّي، قَوْلُهُ: (صَرِيحٌ) اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ وَنَحْوَهَا، لَكِنَّ الَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ ذِكْرُ عَلَيَّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ مَعَ تَرْكِهَا يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي صُورَةِ الْبَدَنِ بَلْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِيهِ، قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِكَوْنِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ، أَوْ السِّرَايَةِ وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ مَجِيئُهُ. اهـ وَوَدِدْتُ لَوْ كَانَ نَبَّهَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>