للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ يَجِبُ (عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: ٣] الْآيَةَ (وَهُوَ) أَيْ الْعَوْدُ (أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ) لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ يُقَالُ: قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ، وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَادَ فِي هِبَتِهِ وَمَقْصُودُ الظِّهَارِ وَصْفُ الْمَرْأَةِ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِمْسَاكُهَا يُخَالِفُهُ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أَوْ بِالظِّهَارِ، وَالْعَوْدُ شَرْطٌ فِيهِ؟ وَجْهَانِ وَمَنْ قَالَ تَجِبُ بِالْعَوْدِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.

(فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ) أَيْ بِالظِّهَارِ (فُرْقَةٌ

ــ

[حاشية قليوبي]

لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِلَّا فَلَا وَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُئِلَ وَالِدُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَرَّى قُبُورَهُمَا - عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ هَذَا الشَّهْرَ، وَالثَّانِي، وَالثَّالِثُ: مِثْلُ لَبَنِ أُمِّي، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الطَّلَاقَ، أَوْ الظِّهَارَ وَقَعَ مَا نَوَاهُ، أَوْ نَوَاهُمَا وَلَوْ مُرَتَّبًا تَخَيَّرَ، أَوْ نَوَى نَحْوَ تَحْرِيمِ عَيْنِهَا، أَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ، وَلَفْظُ " مِثْلُ لَبَنِ أُمِّي " لَغْوٌ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الظِّهَارَ، وَإِلَّا فَهُوَ ظِهَارٌ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ إنْ وَطِئَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ حِينَئِذٍ عَائِدٌ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ التَّخْيِيرَ فِيمَ إذَا نَوَاهُمَا مُرَتَّبًا طَرِيقَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إنْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الطَّلَاقِ وَقَعَ، وَلَغَا الظِّهَارُ إلَّا فِي الرَّجْعَةِ أَوْ الظِّهَارِ وَقَعَا مَعًا، وَلَا عَوْدَ فَيُرَاجِعُ مِنْ مَحَلِّهِ، وَمِنْهَا أَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ بَلْ وَلَا مِنْ الْأَعْضَاءِ مُطْلَقًا، فَلَا يَكُونُ نِيَّةُ التَّحْرِيمِ بِهِ ظِهَارًا، وَمِنْهَا أَنَّ لَبَنَ أُمِّهِ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ فِي ذَاتِهِ بَلْ، وَلَا لِعَارِضٍ إلَّا مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ.

فَصْلٌ

فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى وُجُودِهِ وَصِحَّتِهِ مِنْ قَائِلِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إلَخْ) أَيْ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْعَوْدُ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى الْقَدِيمِ فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا - وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ - أَنَّهُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَثَانِيهِمَا بِالْوَطْءِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ بِشَهْوَةِ الْوَطْءِ، وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُمْسِكَهَا) وَلَوْ جَاهِلًا، أَوْ نَاسِيًا قَوْلُهُ: (بَعْدَ ظِهَارِهِ) الْمُنَجَّزِ وَإِنْ كَرَّرَهُ قَاصِدًا لِلتَّأْكِيدِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَائِدٌ بِغَيْرِ الْمُؤَكِّدِ، أَوْ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَعِلْمِهِ بِهَا فِي الْمُعَلَّقِ بِهَا وَلَوْ بِفِعْلِهِ لَهَا نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا.

قَوْلُهُ: (زَمَنَ إمْكَانِ وُجُودِ لَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ فُرْقَةٌ) أَيْ شَرْعِيَّةٌ فَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَأَمْسَكَهَا إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا: إلَّا إنْ مَضَى مِنْ زَمَنِ الطُّهْرِ مَا يَسَعُ الْفُرْقَةَ وَلَمْ يُفَارِقْ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهَا بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ مَعًا، وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا وَإِنْ عَصَى بِالْوَطْءِ.

قَوْلُهُ: (اتَّصَلَتْ) أَيْ عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ نَحْوُ سَكْتَةِ تَنَفُّسٍ. وَلَا يَا فُلَانَةُ بِنْتَ فُلَانٍ، وَإِنْ أَطَالَ فِي نَسَبِهَا خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ. قَوْلُهُ: (بِمَوْتٍ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ فَسْخٍ) أَوْ انْفِسَاخٍ بِرِدَّةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (أَوْ طَلَاقٍ) وَلَوْ بِخُلْعٍ فَلَوْ لَمْ تَقْبَلْ فَبَتَّ طَلَاقَهَا لَمْ يَكُنْ عَائِدًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ خَرِسَ وَلَا إشَارَةَ لَهُ.

ــ

[حاشية عميرة]

فَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا بِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ كَظَهْرِ أُمِّي عَنْ الصَّرَاحَةِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الظِّهَارَ، وَإِنَّمَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِهِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ إلَخْ) قِيلَ مُسْتَدْرَكٌ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُصُولِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي رَجْعِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَامَتْ نِيَّتُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَهُوَ إمَّا عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ أَوْ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَبَرِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ كَلِمَةُ الْخِطَابِ السَّابِقَةُ تُقَدَّرُ فِي الظِّهَارِ إذَا نَوَى.

[فَصْلٌ يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ]

فَصْلٌ عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إلَخْ

قَوْلُهُ: (لِمَا قَالُوا الْآيَةَ) أَيْ بِالتَّدَارُكِ وَذَلِكَ بِنَقْضِ مَا يَقْتَضِيه وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْإِمْسَاكِ الْمَذْكُورِ إذْ التَّشْبِيهُ يَتَنَاوَلُ حُرْمَتَهُ لِصِحَّةِ اسْتِثْنَائِهَا عَنْهُ فَهُوَ أَقَلُّ مَا يَنْبِضُ بِهِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ مَعْنَى هَذَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِاشْتِهَائِهِ اسْتِمْتَاعَهَا وَلَوْ بِنَظَرِهِ وَعِنْدَ مَالِكٍ بِالْعَزْمِ عَلَى الْجِمَاعِ، وَعَنْ الْحَسَنِ بِالْجِمَاعِ. اهـ قِيلَ وَلَفْظَةُ " ثُمَّ " مِنْ حَيْثُ اقْتِضَاؤُهَا التَّرَاخِيَ قَدْ يُقْصَدُ بِهَا غَيْرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْكَفَّارَةِ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صُدُورِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِيجَابُهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ الْمَسِيسَ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا إلَخْ) . قِيلَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَرَّرَ أَلْفَاظَ الظِّهَارِ لِلتَّأْكِيدِ قِيلَ أَيْضًا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ زَمَنَ إمْكَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَقِبَهُ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَ عَائِدًا لِإِمْكَانِ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ أُخِذَ فِي أَسْبَابِ الْفِرَاقِ وَقَدْ صَوَّرَ فِي الْبَسِيطِ عَدَمَ الْعَوْدِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَرَضَهُ، ابْنُ الرِّفْعَةِ بِذَلِكَ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ قَالُوا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ: يَا فُلَانَةُ بِنْتَ فُلَانٍ أَنْت طَالِقٌ فَلَيْسَ بِعَوْدٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>