للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَطْءِ (وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ) بَعْدَهُ (بِحَيْضَةٍ حُرِّمَ النَّفْيُ) لِلْوَلَدِ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ (وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ حَلَّ لِلنَّفْيِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفِيَهُ، لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَرَى الدَّمَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي إنْ رَأَى بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ قَرِينَةَ الزِّنَى الْمُبِيحَةَ لِلْقَذْفِ، أَوْ تَيَقَّنَهُ جَازَ النَّفْيُ، بَلْ وَجَبَ لِحُصُولِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ، وَرَجَّحَ الثَّانِيَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْأَوَّلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُحَرَّرِ وَلَيْسَ فِي الْكَبِيرِ تَرْجِيحٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ مَا إذَا أَمْكَنَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَى بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الزِّنَى فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِهَا مِنْ الزِّنَى وَفَوْقَهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ يَجُزْ نَفْيُهُ جَزْمًا كَمَا اسْتَدْرَكَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ يَحْصُلُ بِظُهُورِ دَمِ الْحَيْضِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

(وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ حُرِّمَ) النَّفْيُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُسَّ بِهِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ جَعَلَ الْغَزَالِيُّ الْعَزْلَ مُجَوِّزًا لِلنَّفْيِ وَلَوْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ، أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَهُ النَّفْيُ عَلَى الْأَصَحِّ.

(وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَى) عَلَى السَّوَاءِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا (حُرِّمَ النَّفْيُ) رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَكَذَا) حُرِّمَ (الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الْقِيَاسُ الْجَوَازُ انْتِقَامًا مِنْهَا كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، وَعُورِضَ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَضَرَّرُ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَى، وَإِثْبَاتِهِ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ؛ إذْ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ وَتُطْلَقُ فِيهِ الْأَلْسِنَةُ، فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الضَّرَرَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ، وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ.

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] الْآيَاتِ.

(اللِّعَانُ قَوْلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (أَرْبَعَ مِرَارٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَى) أَيْ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَتْ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ) وَفِي الرَّوْضَةِ مِنْ الزِّنَى بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَحِلُّ النَّفْيُ إلَخْ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَكَوْنُ الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْحَمْلِ، وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا كَابْنِ حَجَرٍ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ يَعْرِفُهُ نَاظِرُهُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِظُهُورِ دَمِ الْحَيْضِ) فَلَا يَتَوَقَّفُ حُسْبَانُ الْمُدَّةِ عَلَى تَمَامِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ ابْنُ النَّقِيبِ شَيْخُ الشَّارِحِ لَا زَالَتْ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ مُنْصَبَّةً عَلَى مَضْجَعِهِمَا، وَقِيلَ أَرَادَ ابْنَ الْمُلَقِّنِ وَقِيلَ أَرَادَ الزَّرْكَشِيَّ، رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ كَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ.

تَنْبِيهٌ: اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ فِيمَا تَقَدَّمَ كَالْوَطْءِ جَوَازًا وَمَنْعًا.

قَوْلُهُ: (عَلَى السَّوَاءِ) فَإِنْ ظَنَّهُ مِنْهُ حُرِّمَ النَّفْيُ قَطْعًا أَوْ لَيْسَ مِنْهُ حَلَّ النَّفْيُ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (الْقِيَاسُ) عَلَى مَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ.

تَنْبِيهٌ: وَطْءُ الشُّبْهَةِ كَالزِّنَى فِي لُزُومِ النَّفْيِ وَحُرْمَتِهِ كَالْقَذْفِ، وَاللِّعَانِ وَلَيْسَ اخْتِلَافُ اللَّوْنِ مُجَوِّزًا لِلنَّفْيِ كَوَلَدٍ أَسْوَدَ وَكُلٌّ مِنْ أَبَوَيْهِ أَبْيَضُ، أَوْ عَكْسُهُ وَإِنْ أَشْبَهَ مَنْ تُتَّهَمُ بِهِ أُمُّهُ كَمَا قِصَّةُ زَيْدٍ حِبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ]

ِ وَشُرُوطِهِ وَثَمَرَتِهِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: لَفْظٌ وَقَذْفٌ سَابِقٌ عَلَيْهِ وَزَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا وَهُوَ الْحَلِيلَةُ. قَوْلُهُ: (فِيمَا رَمَيْت إلَخْ) إنْ كَانَ رَمَاهَا أَوْ فِيمَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيْهَا إنْ ادَّعَاهُ عَلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (غَابَتْ) أَيْ عَنْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ. قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (حُرِّمَ النَّفْيُ) أَيْ وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ مِنْهُ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْمَتْنِ، وَقَوْلِ الشَّارِحِ إنَّهُ عُلِمَ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ) رَوَى النَّسَائِيّ «أَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ، وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ فِي الْكِفَايَةِ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ أَنَّهُ فِي حَالَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ يَكُونُ أَرَقَّ وَأَشْفَقَ فَإِذَا جَحَدَهُ وَنَفَاهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي ارْتِكَابِ الْجَرِيمَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) زَادَ الزَّرْكَشِيُّ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ النَّفْيُ سَوَاءٌ وُجِدَتْ مَخْيَلَةٌ أَمْ لَا، وَلَا يَجِبُ بِحَالٍ قَالَ كَذَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالْبَغَوِيُّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ وَزَعَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الثَّالِثَ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْمَخْيَلَةِ وَيُوجِبُ رُؤْيَةَ الزِّنَى بِخِلَافِ الثَّالِثِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَنَبَّهَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَقْيِيدُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ تُهْمَةٌ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ قَطْعًا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إلَخْ) هَذَا عِنْدَ التَّأَمُّلِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمِنْهَاجِ حَلَّ فِي الْأَصَحِّ مَحَلُّهُ عِنْدَ وُجُودِ مَخْيَلَةِ الزِّنَى فَيُتَأَمَّلُ.

قَوْلُهُ: (بِظُهُورِ دَمِ الْحَيْضِ) أَيْ فَتَحْسُبُ الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ الظُّهُورِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى تَمَامِ الْحَيْضَةِ فَلَا يَحْصُلُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الِانْقِطَاعِ. وَكَأَنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنَى بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الزَّرْكَشِيَّ فَقَدْ بَحَثَهُ فِي التَّكْمِلَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِهِ

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَطِئَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَطِئَ وَلَمْ يُنْزِلْ

فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ

قَوْلُهُ (فَإِنْ غَابَتْ) أَيْ بِسَبَبِ حَيْضٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ مَوْتٍ وَنَحْوِهِ، قَوْلُهُ: (فِي الْكَلِمَاتِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهَا وَذِكْرُ الزَّانِي وَاجِبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>