للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ، (وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ) كَالْبَيْعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ وَلَا غَيْرُهُمَا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ.

(وَيَصِحُّ) اللِّعَانُ (بِالْعَجَمِيَّةِ) وَإِنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ، لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ، أَوْ الشَّهَادَةِ وَهُمَا بِاللُّغَاتِ سَوَاءٌ، وَتُرَاعَى تَرْجَمَةُ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ (وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَانُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ لِعُدُولِهِ عَمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الصِّحَّةِ بِهَا إنْ أَحْسَنَهَا الْقَاضِي اُسْتُحِبَّ أَنْ يَحْضُرَهُ أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يُتَرْجِمُ وَيَكْفِي مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ اثْنَانِ لِأَنَّ لِعَانَهَا لِنَفْيِ الزِّنَى وَفِي جَانِبِ الرَّجُلِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلِ إنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَى يَثْبُتُ بِاثْنَيْنِ، أَوْ يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ لِأَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ قَوْلٌ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَى عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَى قَوْلٌ يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَى وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالِاكْتِفَاءِ بِاثْنَيْنِ وَالْأَظْهَرُ ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ بِاثْنَيْنِ.

(وَيُغَلَّظُ) اللِّعَانُ (بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ) فَيُؤَخَّرُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ أَكِيدٌ فَإِنْ كَانَ فَبَعْدَ عَصْرِ أَيِّ يَوْمٍ كَانَ، لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي ذَلِكَ، وَبَعْدَ عَصْرِ الْجُمُعَةِ أَشَدُّ، لِأَنَّهُ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُمَا يَدْعُوَانِ الْخَامِسَةَ بِاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ (وَمَكَانٍ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ) أَيْ بَلَدِ اللِّعَانِ (فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ) الْأَسْوَدِ (وَالْمَقَامِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَطِيمِ، وَقِيلَ فِي الْحِجْرِ (وَالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَبَيْتِ الْمُقَدَّسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ) ، وَهَلْ يَصْعَدَانِ مِنْبَرَ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ نَعَمْ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيُّ وَامْرَأَتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ ضَعَّفَهُ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الصُّعُودَ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِمَا، وَالثَّالِثُ إنْ كَثُرَ الْقَوْمُ صَعِدَا لِيَرَوْهُمَا، وَإِلَّا فَلَا.

(وَ) تُلَاعِنُ (حَائِضٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ)

ــ

[حاشية قليوبي]

ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَّا اُنْتُظِرَ، وَقَوْلُهُ بِإِشَارَةٍ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْيَمِينِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ غَالِبًا، وَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ لَمْ أُرِدْ الْقَذْفَ بِإِشَارَتِي لَمْ يُصَدَّقْ، أَوْ لَمْ أُرِدْ اللِّعَانَ لَمْ يُصَدَّقْ، فِيمَا عَلَيْهِ كَالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ وَالْفُرْقَةِ وَيُقْبَلُ فِيمَا لَهُ كَثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ، وَلُزُومِ الْحَدِّ لَهُ وَلَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِهِمَا حَيْثُ لَمْ يَفُتْ، وَلَوْ نَطَقَ فِي أَثْنَاءِ اللِّعَانِ بَنَى عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ، أَوْ كَتَبَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ كِتَابَةِ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ، وَلَهُ كِتَابَةُ بَعْضِهَا وَالْإِشَارَةُ لِلْبَاقِي فَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ، وَيَكْتُبُ مَعَ الْكِتَابَةِ إنِّي نَوَيْت كَذَا

قَوْلُهُ: (تَرْجَمَةُ الشَّهَادَةِ إلَخْ) وَكَذَا لَفْظُ اللَّهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَأَصَحُّهُمَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي لِعَانِ الْأَخْرَسِ يَجْرِي فِي قَذْفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُغَلَّظُ) قَالَ شَيْخُنَا: وَالتَّغْلِيظَاتُ مَنُوطَةٌ بِنَظَرِ الْقَاضِي وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ فِيهَا، وَلَا تَغْلِيظَ فِيمَنْ لَا يُعَظِّمُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا كَالدَّهْرِيِّ وَالزِّنْدِيقِ فَيُلَاعِنُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَحْسُنُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِزَمَانٍ) وَلَوْ لِكَافِرٍ فِيمَا يُعَظِّمُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ، وَمِنْ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا الشَّرِيفَةِ نَحْوُ رَجَبَ، وَرَمَضَانَ وَالْعِيدِ وَعَاشُورَاءَ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ عَصْرٍ) أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ وَقْتِهِ، فَهُوَ فِيهِ وَبَعْدَ فِعْلِهِ أَوْلَى، وَكَوْنُهُ بَعْدَ عَصْرِ الْجُمُعَةِ آكَدُ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ بَعْضِهِمْ) وَهُوَ قَوْلٌ مِنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا فِيهَا أَرْجَحُهَا أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بَلَدِ اللِّعَانِ) وَيُحَرَّمُ الِانْتِقَالُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ لِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَاللِّعَانُ فِي الْأَمَاكِنِ الْآتِيَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ إنَّمَا لِمَنْ هُوَ فِيهَا. قَوْلُهُ: (الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ) وُصِفَ بِوَصْفِ الْحَجَرِ الَّذِي فِيهِ وَالسَّوَادُ طَارِئٌ عَلَيْهِ، لِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ. قَوْلُهُ: (وَالْمَقَامِ) أَيْ الْمَعْرُوفِ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَجَرٌ نَزَلَ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَضَعَ حَجَرَ الْبِنَاءِ فَوْقَ الْجِدَارِ ثُمَّ يَهْبِطُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ: (الْمُسَمَّى بِالْحَطِيمِ) لِمَا قِيلَ: إنَّهُ حُطِمَ أَيْ مَاتَ فِيهِ أُلُوفٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُصَانُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ الْبَيْتِ، وَهُوَ يُصَانُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْحَطِيمَ وَقِيلَ إنَّ فِي الْحِجْرِ قَبْرَ إسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ.

قَوْلُهُ: (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَيُسَمَّى إيلِيَاءِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ مَعَ الْمَدِّ قَوْلُهُ: (عِنْدَ الصَّخْرَةِ) وَهِيَ أَشْرَفُ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا قِيلَ، وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَلِأَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ لَمْ يَصْعَدَا فَعِنْدَ الْمِنْبَرِ مِنْ جِهَةِ الْمِحْرَابِ. وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ مِنْ الرَّوْضَةِ الْمُنِيفَةِ لِأَنَّهَا مَا بَيْنَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَالْمِنْبَرِ وَهِيَ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ سَتَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْجَنَّةِ، كَمَا قِيلَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْحَلِفَ فِيهَا يُوجِبُ النَّارَ.

قَوْلُهُ: (حَائِضٌ) وَلَوْ مُتَحَيِّرَةً وَكَذَا النُّفَسَاءُ وَيُنْدَبُ إمْهَالُهُمَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ. قَوْلُهُ: (بِبَابِ الْمَسْجِدِ) فَيَخْرُجُ إلَيْهَا

ــ

[حاشية عميرة]

فِي سَائِرِ الْكَلِمَاتِ وَلَا يَكْفِي فِي أَوَّلِهَا فَقَطْ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِعَانَهَا إلَخْ) اسْتَدَلَّ الزَّرْكَشِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: ٨] ، قَوْلُهُ: (وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ كَوْنُهُ يَمِينًا فَإِنْ قُلْنَا: شَهَادَةٌ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ، قَوْلُهُ: (أَوْ كِتَابَةٍ) أَيْ فَيَكْتُبُ كَلِمَاتِ اللَّعْنِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الْخَامِسَةَ

[اللِّعَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ]

قَوْلُهُ: (وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَعْدَ فِعْلِهَا، قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ) وَفِي هَذَا الْوَقْتِ أَيْضًا تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ وَتَصْعَدُ بِالْأَعْمَالِ، قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْمِنْبَرِ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» ، ثُمَّ الْمُرَادُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِمَّا يَلِي الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ، وَهُوَ الرَّوْضَةُ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَمَاتِ ثُمَّ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ آمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَوْلُهُ: (الصَّخْرَةِ) فِي الْحَدِيث الشَّرِيفِ الصَّخْرَةُ مِنْ الْجَنَّةِ، قَوْلُهُ: (لَا يَلِيقُ) أَيْ، لِأَنَّهُ رِفْعَةٌ وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا

قَوْلُهُ: (وَذِمِّيٌّ) الْأَحْسَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>