للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(لَا دِيَةَ) أَيْضًا وَالثَّانِي تَجِبُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً (وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا) وَإِلَّا قَتَلْتُك (فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) فَمَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمَا فَهُوَ مُخْتَارٌ لِقَتْلِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ غَيْرُ الْإِثْمِ.

فَصْلٌ إذَا (وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ) لِلرُّوحِ، (مُذَفِّفَانِ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ مُسْرِعَانِ لِلْقَتْلِ (كَحَزٍّ) لِلرَّقَبَةِ (وَقَدٍّ) لِلْجُثَّةِ (أَوْ لَا) أَيْ غَيْرُ مُذَفِّفَيْنِ (كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ) مَاتَ مِنْهُمَا (فَقَاتِلَانِ) فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا دُونَ الْآخَرِ فَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُذَفِّفَ هُوَ الْقَاتِلُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. (وَإِنْ أَنْهَاهُ رَجُلٌ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ إبْصَارٌ وَنُطْقٌ وَحَرَكَةُ اخْتِيَارٍ ثُمَّ جَنَى آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ (وَيُعَزَّرُ الثَّانِي) لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ مَيِّتٍ، (وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْلَ الْإِنْهَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ ذَفَّفَ كَحَزٍّ بَعْدَ جُرْحٍ فَالثَّانِي قَاتِلٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالٌ بِحَسَبِ الْحَالِ) وَلَا نَظَرَ إلَى سِرَايَةِ الْجُرْحِ لَوْلَا الْحَزُّ لِاسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُذَفِّفْ الثَّانِي أَيْضًا وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَتَيْنِ كَانَ أَجَفَاهُ أَوْ قَطَعَ الْأَوَّلُ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ وَالثَّانِي مِنْ الْمِرْفَقِ. (فَقَاتِلَانِ) بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ

(وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ وَجَبَ) بِقَتْلِهِ (الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ بِالْجِنَايَةِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ) .

ــ

[حاشية قليوبي]

فَصْلٌ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا مَعَهَا قَوْلُهُ: (مَعًا) أَيْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ: (فِعْلَانِ) هُوَ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ فِعْلًا وَاحِدًا مِنْهُمَا كَأَنْ رَمَيَا عَلَيْهِ صَخْرَةً، وَيَشْمَلُ مَا زَادَ عَلَى الْفِعْلَيْنِ مِنْ الْمُتَعَدِّدِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (مُزْهِقَانِ) أَيْ يَقِينًا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُزْهِقَ أَعَمُّ مِنْ الْمُذَفِّفِ. قَوْلُهُ: (مَا سَيَأْتِي) بِقَوْلِهِ وَإِنْ جَنَى الثَّانِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (هُوَ الْقَاتِلُ) وَعَلَى الْآخَرِ ضَمَانُ جُرْحِهِ قَوَدًا أَوْ دِيَةً أَوْ حُكُومَةً. قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) أَيْ مَثَلًا فَالْمَرْأَةُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ وَغَيْرُ الْعَاقِلِ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لَكَانَ أَعَمَّ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الرَّجُلِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مِنْ الْبُرْهَانِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ) أَيْ يَقِينًا وَلَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ وَكَذَا لَوْ شَكَّ عَلَى مَا هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ شَغْلَ ذِمَّةِ الثَّانِي مَعَ الشَّكِّ بَعِيدٌ مَعَ تَحَقُّقِ جِنَايَةِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (إبْصَارُ وَنُطْقُ) هُمَا غَيْرُ مُنَوَّنَيْنِ عَلَى نِيَّةِ الْإِضَافَةِ لِمَا بَعْدَ الثَّالِثِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِاخْتِيَارِيَّاتٍ وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قُطِعَ رَأْسُهُ أَوْ قُطِعَ نِصْفَيْنِ مَثَلًا، وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُ فَلَا نَظَرَ لِكَلَامِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ انْتَظَمَ لِأَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ وَمِنْهُ مَا حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا قُدَّ نِصْفَيْنِ، وَصَارَ يَتَكَلَّمُ وَطَلَبَ الِاسْتِقَاءَ وَسُقِيَ وَمَا حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا قُطِعَ رَأْسُهُ وَوَقَعَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لُصِقَ رَأْسُهُ بِبَدَنِهِ فَالْتَصَقَ وَحَلَّتْ فِيهِ الْحَرَارَةُ فَعَاشَ زَمَنًا طَوِيلًا، فَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ قَاطِعِهِ وَيُورَثُ مَالُهُ وَلَا يَعُودُ إلَيْهِ وَتَخْرُجُ زَوْجَاتُهُ عَنْ عِصْمَتِهِ، وَلَا يَعُدْنَ إلَيْهِ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَطَعَ الْأَوَّلُ يَدَهُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقَطْعَانِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يُقَالُ: إنَّ فِعْلَ الثَّانِي قَطَعَ أَثَرَ فِعْلِ الْأَوَّلِ كَالْحَزِّ بَعْدَ الْقَطْعِ لِانْتِشَارِ الْأَلَمِ إلَى الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَطْعَيْنِ أَيْ مَعَ نِسْبَةِ الْمَوْتِ إلَيْهِمَا مَعًا فَلَا يُرَدُّ الْمُشَبَّهُ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا) وَلَوْ بِضَرْبٍ يَقْتُلُهُ دُونَ الصَّحِيحِ وَإِنْ جَهِلَ مَرَضَهُ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ جَهْلَهُ لَا يُبِيحُ لَهُ الضَّرِّ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَفَا عَنْهُ وَجَبَتْ دِيَةُ عَمْدٍ فِي مَالِهِ وَفَارَقَ عَدَمَ لُزُومِ الْقَوَدِ، فِيمَا لَوْ كَانَ بِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَجَهِلَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ، وَلِذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ مَنْ بِهِ جُوعٌ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ وَجَبَ الْقَوَدُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الضَّرْبُ لِنَحْوِ مُؤَدَّبٍ لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ عَمْدٍ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ بِالْجِنَايَةِ إلَخْ) وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ أَنْهَاهُ إلَخْ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِيهِ دُونَ الْمَرِيضِ وَلَوْ انْدَمَلَتْ جُرُوحُ جِنَايَتِهِ وَاسْتَمَرَّ مَحْمُومًا حَتَّى مَاتَ فَإِنْ قَالَ عَدْلَانِ: إنَّ مَوْتَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَجَبَ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهِ.

تَنْبِيهٌ: مَنْ وَصَلَ إلَى الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إسْلَامٌ وَلَا رِدَّةٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَلَا لِعَانٌ وَلَا قَذْفٌ، وَلَا عَقْدٌ كَبَيْعٍ، وَلَا حَلٌّ كَعِتْقٍ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ لَا تَشْرَعُ زَوْجَتُهُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا لَوْ وَلَدَتْ حِينَئِذٍ، وَلَا تَجِبُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَلَا يَجُوزُ تَجْهِيزُهُ، فَلَا يَكْفِي غُسْلُهُ، وَلَا

ــ

[حاشية عميرة]

الْآذِنِ.

قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِيَ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَمْ يَرَ الْإِبْهَامَ مُسْقِطًا لِآلَةِ الْإِكْرَاهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ قَصْدِ الْعَيْنِ

[فَصْلٌ وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ لِلرُّوحِ مُذَفِّفَانِ مَاتَ مِنْهُمَا]

فَصْلٌ هُوَ مَعْقُودٌ لِطَرَيَانِ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ عَلَى السَّبَبِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا تَقْدِيمُ الْأَقْوَى وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَعَادِلَيْنِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. أَقُولُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مَا فِي صَدْرِ الْفَصْلِ لِأَنَّهُ مُقَدِّمَةٌ لِمَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (إذَا) قَدَّرَهَا لِمَكَانِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَقَاتِلَانِ، (قَوْلُهُ: مُذَفِّفَانِ) هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً لِلْفِعْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَنْقَسِمَانِ إلَى الْمُذَفِّفِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنْقَسِمَا هُنَا إلَى الْمُذَفِّفِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُدُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ الْآتِي وَإِلَّا فَقَاتِلَانِ، قَوْلُهُ: (فَقَاتِلَانِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَا إسْقَاطُهُ

قَوْلُهُ: (عَيْشُ مَذْبُوحٍ) عِبَارَةُ الْإِمَامِ لَوْ انْتَهَى إلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَبَدَتْ أَمَارَاتُهُ وَتَغَيَّرَتْ أَنْفَاسُهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمَوْتِ بَلْ يَلْزَمُ قَاتِلَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ كَانَ يَظُنُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>