للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ (دِيَةُ الْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ) مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا فَخَذَفَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» أَيْ الْقَاتِلَةِ وَقَتْلُهَا مِنْ صُوَرِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الدِّيَةَ فِيهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَفِي الْخَطَإِ أَوْلَى (وَهُمْ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْجَانِي مِنْ النَّسَبِ (إلَّا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ) أَيْ الْأَبَ وَإِنْ عَلَا وَالِابْنَ وَإِنْ سَفَلَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي رِوَايَةٍ «وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ لِأَبِي دَاوُد «وَبَرَّأَ الْوَلَدَ» أَيْ مِنْ الْعَقْلِ وَيُقَالُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ، وَرَوَى النَّسَائِيّ حَدِيثَ «لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ ابْنِهِ» (وَقِيلَ يَعْقِلُ) فِي الْمَرْأَةِ (ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا) كَمَا يَلِي نِكَاحَهَا وَالْأَوَّلُ يَجْعَلُ الْبُنُوَّةَ مَانِعَةً هُنَا (وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ) ، فَالْأَقْرَبُ بِأَنْ يُنْظَرَ فِي عَدَدِهِ وَالْوَاجِبُ آخِرَ الْحَوْلِ وَيُوَزَّعُ عَلَى الْعَدَدِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ) مِنْ الْوَاجِبِ (فَمَنْ يَلِيهِ) أَيْ الْأَقْرَبَ يُوَزَّعُ الْبَاقِي عَلَيْهِ، وَهَكَذَا وَالْأَقْرَبُ الْإِخْوَةُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَالْإِرْثِ (وَ) يُقَدَّمُ (مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ) عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ (وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَعْقِلُ (ثُمَّ) بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ (مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ) مِنْ النَّسَبِ إلَّا أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ فِي الْأَصَحِّ (ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ) إلَّا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ عَلَى الْخِلَافِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ

ــ

[حاشية قليوبي]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ تَحَمُّلِهِمْ وَسُمُّوا بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعَقْلِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ لِمَنْعِهِمْ عَنْهُ، أَوْ بِمَعْنَى الدِّيَةِ لِتَحَمُّلِهِمْ لَهَا، أَوْ بِمَعْنَى الْحَبْسِ أَوْ الْعِقَالِ لِحَبْسِهِمْ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ دَارِ الْمُسْتَحِقِّ بِعَقْلِهَا.

قَوْلُهُ: (فَخَذَفَتْ) بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ كَمَا ضَبَطَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى الرَّمْيِ لَكِنْ مَعَ اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمَرْمِيِّ بِهِ مِنْ الْحَصَى الصَّغِيرِ أَيْ مَعَ نِسْبَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِ، وَسَكَتَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ كَوْنِ الْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عَمْدٌ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (فَفِي الْخَطَإِ أَوْلَى) لِوُجُودِ الْمَعْنَى السَّابِقِ فِيهِ بِعُذْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَهُمْ عَصَبَتُهُ) وَالْمُرَادُ بِهِمْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْمُتَعَصِّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ أَصَالَةً وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُجْمَعِ عَلَى إرْثِهِمْ إلَخْ. لِلْأَغْلَبِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ الْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ الصَّالِحُونَ لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ لِيَدْخُلَ الْفَاسِقُ مِنْ حِينِ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ، فَلَوْ ارْتَدَّ الْجَارِحُ بَعْدَ جَرْحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْجَرِيحِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ أَرْشُ الْجُرْحِ، وَالزَّائِدُ فِي مَالِهِ، فَلَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ مَوْتِ الْجَرِيحِ فَكُلُّ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْجَرِيحُ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجُرْحِ وَالدِّيَةُ وَالْبَاقِي فِي مَالِهِ، كَذَا قَالُوا فَرَاجِعْهُ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ وُجُوهٍ. وَقَوْلُنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِدَفْعِ إيرَادِ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ وَذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْجَانِي) رُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَعْقِلُ لِنَفْسِهِ إذَا كَانَ عَصَبَةً لِلْجَانِي، وَأَنَّ الْجَانِيَ لَا يَعْقِلُ وَإِنْ كَانَ عَصَبَةً لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ النَّسَبِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ضَبْطِ الْعَاقِلَةِ لَا فِي تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ إلَخْ) أَشَارَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إلَى الدَّلِيلِ عَلَى تَحَمُّلِ الْعَصَبَةِ وَبِالْحَدِيثِ الثَّانِي إلَى إخْرَاجِ الْفَرْعِ مِنْهُمْ وَبِالْحَدِيثِ الثَّالِثِ إلَى إخْرَاجِ الْأَصْلِ وَقَدَّمَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ صِيغَةِ التَّمْرِيضِ.

قَوْلُهُ: (هُنَا) بِخِلَافِهَا فِي النِّكَاحِ فَهِيَ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ، وَلَعَلَّ الْفَارِقَ بَيْنَهُمَا وُجُودُ النَّصِّ هُنَا عَلَى الْوَلَدِ لَا يَعْقِلُ، أَوْ لِأَنَّ الْأُمَّ أَقْوَى شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ، فَهِيَ أَشَدُّ اعْتِنَاءً بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (نَظَرًا إلَى أَنَّ إلَخْ) وَرُدَّ بِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ تَمَحَّضَتْ لِلتَّرْجِيحِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ مُعْتِقٌ) أَيْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَدَّدَ مَا بَقِيَ بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ مَا بَقِيَ بَعْدَهُ، وَيُقَدَّمُونَ كَمَا فِي النَّسَبِ فَيُقَدَّمُ إخْوَتُهُ ثُمَّ بَنُوهُمْ ثُمَّ أَعْمَامُهُ ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَيَعْقِلُونَ وَلَوْ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ مُعْتِقُهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ عَلَى مَا مَرَّ.

ــ

[حاشية عميرة]

[فَصْلٌ دِيَةُ الْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ]

فَصْلٌ دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ أَيْ أَمَّا الْعَمْدُ وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ فَعَلَى الْجَانِي عَلَى قِيَاسِ الْمُتْلَفَاتِ، وَلِمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا ثُمَّ مَحَلُّ اللُّزُومِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَوْ يَعْتَرِفَ بِالْقَتْلِ وَيُصَدِّقُوهُ.

قَوْلُهُ: (وَهُمْ عَصَبَتُهُ) أَيْ الَّذِينَ هُمْ بِصِفَةِ الْكَمَالِ أَعْنِي مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ نِكَاحٍ بِفَرْضِ الْجَانِي أُنْثَى مِنْ الْفِعْلِ إلَى الْمَوْتِ فَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ يَجْعَلُ الْبُنُوَّةَ مَانِعَةً هُنَا) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الضَّرْبِ عَلَيْهِمْ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتِقِ عِنْدَ بَقَاءِ شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ وَلَا نَسَبَ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ الْأَصَحَّ عُمُومُ الضَّرْبِ عَلَى عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، هَكَذَا فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>