للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْصُرَ مَنْ لَا يَعْلَمُ جَوَازَهُ.

(وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ) السَّفَرُ (ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ يُوجِبُ الْقَصْرَ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِتْمَامَ فِي الثَّانِي. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَأَكْثَرُ عَمَلًا وَيُسْتَثْنَى عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَلَّاحُ الَّذِي يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ فِي سَفِينَتِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ فِي وَطَنِهِ. وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ.

(وَالصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا (أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ) أَيْ بِالصَّوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ فَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ.

(فَصْلٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا) فِي وَقْتِ الْأُولَى (وَتَأْخِيرًا) فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (وَ) بَيْنَ (الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ: وَكَذَا الْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَإِلَّا فَعَكْسُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَصْرُ) أَيْ مِنْ ابْتِدَاءِ السَّفَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: بَلَغَ السَّفَرُ وَلَمْ يَقُلْ الْمُسَافِرَ، نَعَمْ الْإِتْمَامُ لِمُدِيمِ السَّفَرِ وَلِمَلَّاحِ السَّفِينَةِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا مُرَاعَاةً لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدَّمَ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ: (فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ) فَالْقَصْرُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِالْكَرَاهَةِ أَيْ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ. وَكَذَا الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ، وَقَدْ يُكْرَهُ الْإِتْمَامُ فِي نَحْوِ مَنْ يَخْلُو عَنْ حَدَثِهِ مَعَ الْقَصْرِ أَوْ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ، أَوْ كَرِهَتْ نَفْسُهُ الْقَصْرَ أَوْ لَمْ تَطْمَئِنَّ إلَيْهِ أَوْ زَادَتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْقَصْرِ بِفَضِيلَةٍ نَحْوِ جَمَاعَةٍ وَقَدْ يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ كَمَنْ يَخَافُ بِهِ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذَ أَسِيرٍ أَوْ ضِيقَ وَقْتٍ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (صَوْمُ رَمَضَانَ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ كُلُّ صَوْمٍ وَاجِبٍ كَنَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، وَمِنْهُ مَا مَرَّ فِي الْوَاجِبِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، بَلْ تَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِطْرُهُ فِيهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَأَلْحَقَ الزَّرْكَشِيُّ النَّفَلَ الْمُؤَقَّتَ مِنْ الصَّوْمِ بِالْفَرْضِ وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ إلَخْ) وَحِينَئِذٍ فَالصَّوْمُ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى نَظِيرِ مَا مَرَّ فِي الْقَصْرِ أَوْ مَكْرُوهٌ فَإِنْ تَحَقَّقَ الضَّرَرُ بِالصَّوْمِ وَجَبَ الْفِطْرُ، وَقَدْ يُكْرَهُ الصَّوْمُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي كَرَاهَةِ الْإِتْمَامِ وَشَمِلَ الضَّرَرُ مَا فِي الْحَالِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ خُصُوصًا فِي الْجِهَادِ وَالْحَجِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) سَفَرًا وَحَضَرًا. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ) أَيْ يُبَاحُ وَقَدْ يُطْلَبُ فِعْلُهُ أَوْ تَرْكُهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الْقَصْرِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ الْجَمْعَ مُطْلَقًا إلَّا فِي عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا لِلنُّسُكِ لَا لِلسَّفَرِ.

قَوْلُهُ: (الظُّهْرِ) وَمِثْلُهَا الْجُمُعَةُ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) عَدَلَ عَنْهُ فِي الْمَنْهَجِ إلَى الْمَغْرِبَيْنِ اخْتِصَارًا وَغَلَّبَ الْمَغْرِبَ لِلنَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّغْلِيبَ. لَوْ قَالَ: الْعِشَاءَيْنِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرَاهَةِ. وَفِي الْأَنْوَارِ خِلَافُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (سَائِرًا فِي وَقْتِ الْأُولَى) أَوْ لَوْ مَعَ الثَّانِيَةِ أَوْ نَازِلًا فِيهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِسُهُولَةِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ

ــ

[حاشية عميرة]

وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» . كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) هِيَ مُدَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ أَيْ كَانَ مُدَّةُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ أَفْضَلُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا) أَيْ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ أَمَّا الْقَصِيرُ فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ إلَخْ) بِهَذَا فَارَقَ كَوْنَ الْقَصِيرِ فَاضِلًا عَلَى مَا سَلَفَ.

[فَصْلٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ]

(فَصْلٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَخْ) قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَجُوزُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَرْكَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَسَدَتْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَكِنْ تَنْعَقِدُ نَفْلًا. كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ، نَظِيرَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ جَاهِلًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِالْعُرْفِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ ضَابِطٌ. قَوْلُهُ: (رَوَى الشَّيْخَانِ إلَخْ) حِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ وَالتَّبَعِيَّةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمُوَالَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>