للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَلَا يُكْرَهُ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ

(وَيَجُوزُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (الدَّفْنُ لَيْلًا وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنَّ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ» مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ وَقَصْدِهِ لِحِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الدَّفْنِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا. وَنَقْبُرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا نَدْفِنُ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ اللَّيْلِ وَهُوَ النَّهَارُ وَغَيْرُ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. (أَفْضَلُ) لِلدَّفْنِ مِنْهُمَا أَيْ فَاضِلٌ عَلَيْهِمَا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ نَهَارًا، وَسَكَتَ فِيهَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَذْكُورُ فِيهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَنْ الْفَضِيلَةِ فِي الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ النَّهْيِ، وَذَكَرَ فِيهِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

(وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَمَا بَعْدَهَا ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ إلَّا مَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ، قَالَ جَابِرٌ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ» . وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالتَّجْصِيصُ التَّبْيِيضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ التَّطْيِينَ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ بِنَاءُ قُبَّةٍ أَمْ بَيْتٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، وَفِي الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

(وَلَوْ بُنِيَ) عَلَيْهِ (فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ هُدِمَ) الْبِنَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا.

ــ

[حاشية قليوبي]

وَالْأَرْضُ الَّتِي لَا تُبْلِي سَرِيعًا أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ فَرَاجِعْهُ.

(فَائِدَةٌ) يُقَالُ: أَرَمَ الْبَيْتَ كَضَرَبَ إذَا بَلِيَ، وَأَرَمَّ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَذَلِكَ، وَأَصْلُهُ أَرْمَمَ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْمِيمِ الْأُولَى إلَى الرَّاءِ وَحُذِفَتْ أَوْ أُدْغِمَتْ. قَوْلُهُ: (وَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ

. قَوْلُهُ: (لَيْلًا) نَعَمْ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْكُفَّارِ مِنْ الدَّفْنِ نَهَارًا إنْ أَظْهَرُوهُ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ) قَالَ شَيْخُنَا: سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالزَّمَنِ أَوْ بِالْفِعْلِ، لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَسَوَاءٌ حَرَمُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُ. وَيَحْرُمُ مَعَ التَّحَرِّي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْفِعْلِ وَبِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ، إنَّمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْعِبْرَةُ بِتَحَرِّي مَنْ يَدْفِنُهُ. قَوْلُهُ: (وَقَصْدِهِ) هُوَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى تَحَرِّي عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ. قَوْلُهُ: (لِحِكَايَةِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ نَهَارًا) فَيُنْدَبُ أَنْ يُؤَخَّرَ مَنْ مَاتَ لَيْلًا إلَّا لِعُذْرٍ كَتَغَيُّرٍ، وَذَكَرَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ: (لِلْعِلْمِ) أَيْ بِنَفْيِهَا بِهَا مِنْ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (وَأَلْحَقَ

ــ

[حاشية عميرة]

الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ إضَاعَةَ مَالٍ مَعَ عَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ، وَأَيْضًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ

[الدَّفْنُ لَيْلًا]

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَيْلًا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دَفَنُوا كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ لَهُ سَبَبًا مُقَدَّمًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْوَقْتِ مِنْ قَوْلِهِ: وَوَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْأَمْرُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِعْلِ كَبَعْدِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، قَالَ: فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَالْمَعْنَى وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ دَالٌّ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّ التَّحَرِّيَ حَرَامٌ كَتَحَرِّي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ النَّهَارُ) الْمُتَّجَهُ إلْحَاقُ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ مِنْهُ بِاللَّيْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ نَازَعَ فِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِفَوَاتِ الْإِسْرَاعِ الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ: إنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ الْفَضْلَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ وَحَاوَلَهُ الشَّارِحُ سَنُّ التَّأْخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ إلَى النَّهَارِ، وَمِنْ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ حَاوَلَ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثًا خِلَافَ الْأَمْرَيْنِ نَظَرًا إلَى طَلَبِ الْمُبَادَرَةِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْآخَرِ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: وَغَيْرُ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِهَا الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْفَضِيلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: عَنْ الْفَضِيلَةِ. قَوْلُهُ: (وَذُكِرَ فِيهِ إلَخْ) وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدَّمَ دَلِيلَهَا وَهُوَ الْإِجْمَاعُ.

[تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاء عَلَيْهِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْبِنَاءُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ بَيْتًا أَمْ قُبَّةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْكِتَابَةُ) قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إذَا كَتَبَ قَدْرَ الْحَاجَةِ لِلْإِعْلَامِ لِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>