للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ. وَفِي الشَّرْحِ لَمْ يُورِدُوا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ أَمْ شَرْطٌ هَاهُنَا أَيْ بَلْ جَزَمُوا بِأَنَّهَا رُكْنٌ كَالْإِمْسَاكِ. قَالَ: وَالْأَلْيَقُ بِمَنْ اخْتَارَ كَوْنَهَا شَرْطًا هُنَاكَ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِهِ هَاهُنَا. (وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ التَّبْيِيتُ) لِلنِّيَّةِ أَيْ إيقَاعُهَا لَيْلًا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي التَّبْيِيتِ (النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ اللَّيْلِ) لِإِطْلَاقِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَالثَّانِي تَقْرُبُ النِّيَّةُ مِنْ الْعِبَادَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا) وَقِيلَ يَضُرُّ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهَا تَحَرُّزًا عَنْ تَخَلُّلِ الْمُنَاقِضِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِبَادَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا بِهَا. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ) لَهَا (إذَا نَامَ) بَعْدَهَا (ثُمَّ تَنَبَّهَ) قَبْلَ الْفَجْرِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَقْرِيبًا لِلنِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ.

(وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ النِّيَّةُ وَالصَّائِمُ وَالْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرِ وَتَعْبِيرُهُ عَنْهَا بِالشُّرُوطِ بِاعْتِبَارِ أَوْصَافِهَا كَالْإِسْلَامِ فِي الصَّائِمِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى خِلَافَهُ. قَوْلُهُ: (النِّيَّةُ) وَمِنْهَا مَا لَوْ أَكَلَ لَيْلًا خَوْفًا مِنْ الْجُوعِ أَوْ شَرِبَ خَوْفًا مِنْ الْعَطَشِ إنْ لَاحَظَ مَعَ ذَلِكَ الصَّوْمَ. قَوْلُهُ: (بَلْ جَزَمُوا إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَهُوَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (لِفَرْضِهِ) وَلَوْ عَارِضًا كَأَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ بِالنَّذْرِ أَوْ كَانَ النَّاوِي صَبِيًّا كَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْمَفْرُوضُ. وَلَا يَأْتِي هُنَا الِاخْتِلَافُ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ لِلصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (التَّبْيِيتُ) أَيْ كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَنَا كَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ اكْتَفَى الْحَنَفِيَّةُ بِالنِّيَّةِ نَهَارًا لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلِذَلِكَ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ كُلَّهُ لِيَنْفَعَهُ تَقْلِيدُ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي يَوْمٍ نَسِيَ النِّيَّةَ فِيهِ مَثَلًا لِأَنَّهَا عِنْدَهُ تَكْفِي لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، وَعِنْدَنَا لِلَّيْلَةِ الْأُولَى فَقَطْ. قَوْلُهُ: (لَيْلًا) أَيْ فِيمَا بَيْنَ " غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ قَارَنَهُ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ. وَكَذَا لَوْ شَكَّ حَالَ النِّيَّةِ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَهَا هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا فَتَصِحُّ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لَا أَوْ شَكَّ نَهَارًا هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا فَإِنْ تَذَكَّرَ فِيهِمَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ لَيْلًا أَجْزَأَ.

وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِي نِيَّةِ الْيَوْمِ قَبْلَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ لَمْ تَقَعْ النِّيَّةُ لَيْلًا وَنَوَى نَهَارًا لَمْ يَقَعْ عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ وَلَا نَفْلًا لِأَنَّ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (لَمَّا تَعَذَّرَ اقْتِرَانُهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَمَّا تَعَذَّرَ صِحَّةُ الصَّوْمِ مَعَ اقْتِرَانِهَا لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ النَّهَارِ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَشَقَّةَ الِاقْتِرَانِ لَقَالَ لِعُسْرِ مُرَاقَبَةِ الْفَجْرِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا مَا دَامَ اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالْعِبَادَةِ. وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمُفْطِرَاتِ كَالْجُنُونِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِغْمَاءِ نَعَمْ تُبْطِلُهَا الرِّدَّةُ وَلَوْ نَهَارًا. وَكَذَا الرَّفْضُ لَيْلًا لَا نَهَارًا. وَلَا يَحْرُمُ الرَّفْضُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَلَا يَضُرُّ قَصْدُ قَلْبِهِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا تَرْكُهُ مُنْجِزًا

ــ

[حاشية عميرة]

لَيْلَةُ الثَّلَاثِينَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْبَلَدِ الْآخَرِ، فَيُعِيدُ شَخْصٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ يُسَافِرُ فَيَجِدُ أَهْلَ تِلْكَ صَائِمِينَ، فَيُمْسِكُ مَعَهُمْ وَصَدَّقَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ يَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِ الْبَلَدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ لَهُمَا.

[فَصْلٌ وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ]

فَصْلٌ النِّيَّةُ شَرْطٌ قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) الْجَوَابُ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ، وَهُوَ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْإِمْسَاكِ الْعَادِي فَاعْتَبَرَ النِّيَّةَ رُكْنًا جَزْمًا فِي تَمَيُّزِهِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ) أَيْ الْمَفْرُوضِ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا صِيَامَ) لَعَلَّ الْمُخَالِفَ يُرْجِعُهُ إلَى نَفْيِ الْكَمَالِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّرِيفَ يُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ إذَا قَارَنْت الْفَجْرَ وَلَا مَانِعَ مِنْ الْتِزَامِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت النَّقْلَ كَذَلِكَ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ إلَخْ) لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَنْوِيَّةَ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِهَا. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَضُرُّ) قَائِلُهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ حِينَ اجْتَمَعَ بِالْإِصْطَخْرِيِّ فِي الْحَجِّ وَأَخْبَرَهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ تَنَبَّهَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ إلَى الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>