للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِاخْتِصَاصِهِ بِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ لِلصَّلَاةِ، وَفِي وَجْهٍ وَقِيلَ: قَوْلُ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. (وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا وَلَا عَكْسُ) لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا. (وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى وَلَا عَكْسُ) لِأَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَوْ عَيَّنَ زَمَنَ الِاعْتِكَافِ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَضَاءً. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرِ مَا يُسَمَّى عُكُوفًا) أَيْ إقَامَةً يُقَالُ عَكَفَ وَاعْتَكَفَ أَيْ أَقَامَ فَلَا يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ مَا يَكْفِي فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ السُّكُونُ بَلْ يَكْفِي التَّرَدُّدُ (وَقِيلَ يَكْفِي الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ) كَأَنْ دَخَلَ مِنْ بَابٍ وَخَرَجَ مِنْ آخَرَ. (وَقِيلَ) لَا يَكْفِي لُبْثُ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَقَلُّ مَا يَصْدُقُ بِهِ بَلْ (يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ) أَيْ قَرِيبٍ مِنْهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مُعْتَادٌ فِي الْحَاجَاتِ الَّتِي تَعِنُّ فِي الْمَسَاجِدِ، فَلَا يَصِحُّ لِلْقُرْبَةِ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ سَاعَةٍ صَحَّ نَذْرُهُ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا خَرَجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِأَنْ يَعْتَكِفَ لَحْظَةً.

(وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ) إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْجِمَاعِ فِيهِ سَوَاءٌ جَامَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الِاعْتِكَافِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. (وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ) فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ إنْ أَنْزَلَ وَإِلَّا فَلَا) كَالصَّوْمِ وَالثَّانِي تُبْطِلُهُ مُطْلَقًا لِحُرْمَتِهَا وَالثَّالِثُ لَا تُبْطِلُهُ مُطْلَقًا

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةٌ إلَخْ) الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ مِائَتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَمِنْ مِائَةِ أَلْفٍ فِي غَيْرِهِمَا، وَأَنَّهَا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتَيْنِ فِي الْأَقْصَى وَمِنْ أَلْفٍ فِي غَيْرِهَا، وَأَنَّهَا فِي الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فِي غَيْرِهَا. رَدٌّ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ مَا يُخَالِفُ هَذَا أَخْذًا مِنْ الْأَحَادِيثِ غَيْرِ الْمَذْكُورَةِ.

قَوْلُهُ: (أَقَلُّ مَا يَكْفِي إلَخْ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَيُنْدَبُ يَوْمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ اعْتَكَفَ دُونَهُ وَضَمَّ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةً أَيْضًا. قَوْلُهُ: (صَحَّ نَذْرُهُ) وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَتِهِ بِلَحْظَةٍ وَاعْتَبَرَ شَيْخُنَا سَاعَةً فَلَكِيَّةً. قَوْلُهُ: (لَحْظَةً) فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا وَقَعَ الْجَمِيعُ فَرْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى بَقَاءِ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ فَرَاغِ تِلْكَ اللَّحْظَةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ لِأَنَّ اللَّحْظَةَ الْمَحْمُولَ عَلَيْهَا النَّذْرُ كَالْمُعَيَّنَةِ بِالنَّذْرِ وَالنَّذْرُ الْمُقَيَّدُ بِمُدَّةٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا لَا يَدُومُ بَعْدَ فَرَاغِهَا لِمَنْ دَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَافْهَمْ وَلَا تَغْفُلُ. وَبِهَذَا سَقَطَ مَا هُنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّيَّةَ تَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ كَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

قَوْلُهُ: (بِالْجِمَاعِ) أَيْ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ بِخِلَافِ الْخُنْثَى فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْخُرُوجِ) أَيْ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (لِانْسِحَابِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ مُعْتَكِفٌ حَالَةَ خُرُوجِهِ أَمْ لَا، إذْ الْكَلَامُ فِي اعْتِكَافٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَالْجِمَاعُ حَرَامٌ فِي الْوَاجِبِ مُطْلَقًا وَفِي الْمَنْدُوبِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ الْمَسْجِدِيَّةُ. قَوْلُهُ: (كَالصَّوْمِ) يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ فِي

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ) مِثْلُهُ الصَّلَاةُ. قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي إلَخْ) إذَا تَأَمَّلْت فِيهِ عَلِمْت مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى؟ قُلْت: الْوَجْهُ أَنْ تَعْدِلَ مِائَتَيْ صَلَاةٍ فِيهِ فَقَطْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، يَجِبُ حَمْلُ مَا سِوَاهُ عَلَى غَيْرِ الْأَقْصَى، وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ فِي غَيْرِ الْأَقْصَى، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاحِدَةَ فِي الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ إلَخْ) هُوَ يُفِيدُك أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فِيمَا سِوَاهُ لَا يَشْمَلُ الْأَقْصَى لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْأَلْفِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَقْصَى. قَوْلُهُ: (قَدْ يَكْفِي فِيهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلِاعْتِكَافِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ يَكْفِي إلَخْ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ لَبِثَ وَالْوَجْهُ الَّذِي بَعْدَهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ يُسَمَّى عُكُوفًا

[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا الْمَاضِي فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْذُورًا مُتَتَابِعًا فَيَسْتَأْنِفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَتَابِعًا لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى، سَوَاءٌ كَانَ مَنْذُورًا أَمْ نَفْلًا، وَإِنَّمَا بَطَلَ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَةِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. قَوْلُهُ: (لِحُرْمَتِهَا) اسْتَدَلَّ غَيْرُهُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>