للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحَجِّ (هُوَ فَرْضٌ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا بِعَارِضٍ كَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ، (وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) كَالْحَجِّ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا سُنَّةٌ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ لَا. وَأَنْ تَعْتَمِرَ فَهُوَ أَفْضَلُ» . قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَا يُغْتَرُّ. يَقُولُ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ مَوْجُودٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ السُّؤَالِ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ» . وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا اللَّفْظَ بِحُرُوفِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ.

(وَشَرْطُ صِحَّتِهِ) أَيْ الْحَجِّ (الْإِسْلَامُ) فَقَطْ فَلَا يَصِحُّ حَجُّ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ، لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا

ــ

[حاشية قليوبي]

كِتَابُ الْحَجِّ هُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ لِمَا صَحَّ «أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِآدَمَ لَمَّا حَجَّ لَقَدْ طَافَتْ الْمَلَائِكَةُ بِهَذَا الْبَيْتِ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ» . كَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الطَّوَافُ لَيْسَ حَجًّا وَبِفَرْضِهِ حَمْلًا عَلَى قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَخْ فَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَالْمَخْصُوصُ بِهَذِهِ الْأُمَّةُ مَا عَدَا الطَّوَافَ مِنْهُ أَوْ كَوْنَهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الْعُمْرَةِ كَذَلِكَ.

وَنَزَلَتْ آيَتُهُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَفُرِضَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ. وَمَعْنَاهُ كَالْعُمْرَةِ لُغَةً الزِّيَارَةُ أَوْ الْقَصْدُ أَوْ كَثْرَةُ الْقَصْدِ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي أَوْ أَعْمَالٌ مَخْصُوصَةٌ بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (الْعُمْرَةُ) سُمِّيَتْ الْعُمْرَةُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا وَظِيفَةَ الْعُمُرِ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ كَالْحَجِّ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُمَا عَلَى التَّرَاخِي.

وَقَالَ الْمُزَنِيّ مِنْ أَئِمَّتِنَا كَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ: إنَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَيَقَعَانِ تَطَوُّعًا فِيمَا بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَا يَقَعَانِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَبَدًا وَإِنَّمَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ إلَخْ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ وَبَقِيَ خَامِسَةٌ وَسَطُهَا وَهِيَ مَرْتَبَةُ النَّذْرِ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ الْحَجّ]

ِّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ قِيلَ فُرِضَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا فِي الْخَامِسَةِ، وَقِيلَ فِي السَّادِسَةِ وَصَحَّحَاهُ فِي بَابِ السِّيَرِ، وَقِيلَ فِي الثَّامِنَةِ. وَقِيلَ فِي التَّاسِعَةِ. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.

فَائِدَةٌ: قِيلَ لَا يُتَصَوَّرُ حَجُّ تَطَوُّعٍ إلَّا مِنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ. قَوْلُهُ: (كَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ) وَكَاللُّزُومِ بِالشُّرُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (لِلَّهِ) قِيلَ حِكْمَةُ ذِكْرِهَا فِيهِمَا مَا كَانَ فِيهِمَا مِنْ كَثْرَةِ الرِّيَاءِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: (وَأَنْ تَعْتَمِرَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

فَرْعٌ: لَوْ فَعَلَ الْحَجَّ بَدَلَ الْعُمْرَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ اسْمَ الطَّهَارَةِ يَشْمَلُهُمَا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ إلَخْ) أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ جَوَابًا لِذَلِكَ السَّائِلِ.

[شَرْط صِحَّة الْحَجّ]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ الْإِسْلَامُ) أَوْ رَدُّ الْوَقْتِ وَمَعْرِفَةُ الْأَعْمَالِ، وَاعْتَرَضَ الثَّانِي بِانْعِقَادِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ يَصْرِفُهُ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ. أَوْ لِكِلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَجِّ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>