للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ الْغَيْرِ، وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ فِي الْأَشْغَالِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَلَدَ بِضْعَةٌ مِنْهُ فَنَفْسُهُ كَنَفْسِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَالْأَخُ وَالْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهَا يَثْقُلُ وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ أَوْ الْوَالِدُ الطَّاعَةَ لِيَحُجَّ مَاشِيًا، فَفِي وُجُوبِ قَبُولِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ لَا يَجِبُ، لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُهُمَا بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ طَلَبَ الْوَالِدُ مِنْ الْوَلَدِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ إجَابَتُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَجُزْ أَوْ قَبْلَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ إذَا كَانَ رُجُوعُهُ الْجَائِزُ، قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَبِ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ زَمَانًا وَمَكَانًا (وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ) بِالْأَيَّامِ بَيْنَهَا (مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ) ، وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (وَجْهٌ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ (فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ)

ــ

[حاشية قليوبي]

لَهُمَا فِي أَنْ يَسْتَأْجِرَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَنْهُ، وَيَنْوِي عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (بِالْإِذْنِ لَهُ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ فِيهِ وَفِي الْأَجْنَبِيِّ. وَكَذَا قَبُولُ الْمَالِ لَوْ وَجَبَ، وَأَمَّا فِعْلُ الْبَاذِلِ فَعَلَى التَّرَاخِي. قَوْلُهُ: (مَاشِيًا) وَمِثْلُهُ مُعَوَّلًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَشْيِ إلَخْ) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ كَالْوَلَدِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْمَشْيِ. قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ طَلَبَ الْوَالِدُ إلَخْ) تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ فِي حَالَةٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ الزَّمَنُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مُسْتَطِيعًا كَمَا مَرَّ فَرُجُوعُ الْوَلَدِ كَتَلَفِ الْمَالِ. وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ النَّفْلِ لِعَبْدٍ وَمُمَيِّزٍ، وَيَجُوزُ الْحَجُّ بِالنَّفَقَةِ أَيْ الْكِفَايَةِ. وَلَوْلَا كَثُرَ مِنْ وَاحِدٍ كَالِاسْتِئْجَارِ وَيَقَعُ مَا زَادَ عَنْ الْوَاحِدِ نَفْلًا كَمَا فِي الْمَيِّتِ. وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ بِالْجَعَالَةِ نَحْوُ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا. وَالْإِذْنُ فِيهَا لِوَاحِدٍ فَقَطْ. فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ اثْنَانِ مُرَتِّبًا يَقِينًا وَقَعَ عَنْهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَيَقَعُ لَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَسِيَ تَوَقَّفَ الْأَمْرُ. وَلَوْ شُفِيَ الْمَعْضُوبُ تَبَيَّنَ بَقَاءُ الْحَجِّ عَلَيْهِ. وَحَجُّ الْأَجِيرِ يَقَعُ لِنَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. قَوْلُهُ: (خَثْعَمَ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ اسْمُ قَبِيلَةٍ وَلَفْظُ الْحَجِّ فِي الْحَدِيثِ بَدَلٌ مِنْ فَرِيضَةٍ.

بَابُ الْمَوَاقِيتِ هِيَ لُغَةً الْحُدُودُ وَالْأَوْقَاتُ الْمَضْرُوبُ بِهَا. وَفِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ أَوْ لِلزَّمَانِ الْمَضْرُوبِ لِمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (ذِي الْحِجَّةِ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهَا وَالْأَفْصَحُ فِي قَافِ الْقَعْدَةِ الْفَتْحُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْقُعُودِ

ــ

[حاشية عميرة]

فِعْلُ الْبَاذِلِ عَلَى التَّرَاخِي. قَوْلُهُ: (مَاشِيًا إلَخْ) بَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ الْقَبُولِ إذَا كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا.

فَرْعٌ: لَوْ بَذَلَ لِوَالِدَيْهِ مَعًا يَصْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَالْأَبُ أَوْلَى.

[بَابُ الْمَوَاقِيتِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]

بَابُ الْمَوَاقِيتِ هُوَ فِي اللُّغَةِ الْحَدُّ وَأَصْلُهُ الزَّمَانُ كَذَا فِي الْإِسْنَوِيِّ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِيقَاتُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لِلْفِعْلِ وَالْمَوْضِعِ يُقَالُ: هَذَا مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْرِمُونَ مِنْهُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَذُو الْقَعْدَةِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ وَالْحِجَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ سُمِّيَ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الثَّانِي فَظَاهِرَةٌ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] أَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا فِي أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْأَشْهُرَ لَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْحَجِّ لِكَوْنِهِ فِعْلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ وَلَا يَجُوزُ فِعْلُ الْحَجِّ فِي أَشْهُرٍ، لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي أَيَّامٍ لَا فِي أَشْهُرٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. كَمَا قَالَ الزَّجَّاجُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ، وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ لِظُهُورِ الْفَائِدَةِ حِينَئِذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>