للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، فَإِذَا لَمْ يُقْبِلْ الْوَقْتُ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يُقْبِلُهُ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَا يَنْعَقِدُ حَجًّا وَلَكِنْ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَنْ فَاتَ حَجَّةً، فَعَلَى الْأَوْلَى إذَا أَتَى بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ عُمْرَةُ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَسَوَاءٌ فِي الِانْعِقَادِ الْجَاهِلُ بِالْحَالِ وَالْعَالِمُ بِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ أَصَحِّ الطُّرُقِ الْحَاكِيَةِ لِقَوْلَيْنِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ قَاطِعَةٌ بِالثَّانِي، وَالثَّالِثَةُ نَقُولُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ مُبْهَمًا، فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْعُمْرَةِ كَانَ عُمْرَةً صَحِيحَةً، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَهَذِهِ مِنْ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَعَبَّرَ بِهِ دُونَ الْمَذْهَبِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ

(وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ) وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا لِعَارِضٍ كَالْعَاكِفِ بِمِنًى، لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهَا، لِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا.

(وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، (نَفْسُ مَكَّةَ) لِلْحَدِيثِ الْآتِي (وَقِيلَ كُلُّ الْحَرَمِ) لِاسْتِوَاءِ مَكَّةَ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الْحَرَمِ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَوْلُهُ لِلْحَجِّ يَشْمَلُ الْمُفْرِدَ وَالْقَارِنَ. وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ الْقَارِنُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الْعُمْرَةَ. (وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَمِنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ) أَيْ مَرْجُوحٌ فَهِيَ مِنْ وَقْتِهِ، فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِتْيَانِ بِأَعْمَالِهِ لَكِنْ يَنْعَقِدُ فِيهِ عُمْرَةٌ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَالْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ لِلْمُتَأَمِّلِ. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يَتَحَلَّلُ إلَخْ) اُنْظُرْ كَيْفَ هَذَا التَّحَلُّلُ مَعَ عَدَمِ الِانْعِقَادِ.

قَوْلُهُ: (وَجَمِيعُ السَّنَةِ إلَخْ) وَصَرْفُ الزَّمَنِ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ صَرْفِ مِثْلِهِ فِي الطَّوَافِ وَقَدْ اعْتَمَرَ

أَرْبَعًا كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي فِي عَامِ حَجَّتِهِ إحْدَاهَا فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَهِيَ الَّتِي صُدَّ عَنْهَا مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، وَثَانِيهَا عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ بَعْدَهُ، وَثَالِثُهَا عُمْرَةٌ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مَعَ حَجَّتِهِ، وَرَابِعُهَا عُمْرَةٌ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ أَيْضًا مِنْ الْجِعْرَانَةِ حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ الطَّائِفِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلِدَوَامِهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ مِنْهَا وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَأَوْجَبَ التَّحَلُّلَ.

فَرْعٌ: مَنَعَ الْمُزَنِيّ مِنْ جَوَازِ أَكْثَرِ مِنْ عُمْرَةٍ فِي السَّنَةِ كَالْحَجِّ وَهُوَ مَرْجُوحٌ. قَوْلُهُ: (كَالْعَاكِفِ بِمِنًى) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى أَوْ سَقَطَ عَنْهُ الْمَبِيتُ بِهَا فَقَوْلُهُ لِعَجْزِهِ أَيْ شَرْعًا. وَتَصِحُّ مِمَّنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلِ وَمِنْ غَيْرِ الْمُتَلَبِّسِ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ.

قَوْلُهُ: (نَفْسُ مَكَّةَ) أَيْ جَمِيعُهَا نَعَمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَذْهَبَ إلَى بَيْتِهِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ ثُمَّ يَعُودُ لِلْمَسْجِدِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ كُلُّ الْحَرَمِ) فَيَزِيدُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِمَنْ مَسْكَنُهُ خَارِجَ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (ذُو الْحُلَيْفَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُجُودِ النَّبَاتِ الْمَعْرُوفِ بِذَلِكَ فِيهَا وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِزَعْمِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ قَاتِلُ

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ هُوَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوُقُوفِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ) تَبَعًا لِيَوْمِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إلَخْ) عُلِّلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ، كَمَا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَمْدًا لَا يَنْعَقِدُ نَفْلًا، لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ. قَوْلُهُ: (الْحَاكِيَةُ لِقَوْلَيْنِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مِنْ أَصَحِّ الطُّرُقِ. قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ مِنْ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ) دَفْعٌ لِاعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ، بِأَنَّ هُنَا طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِعَدَمِ انْعِقَادِهِ عُمْرَةً فَالْخِلَافُ قَوِيٌّ فَتَعْبِيرُهُ بِالصَّحِيحِ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّعْبِيرِ بِالْمَذْهَبِ أَيْضًا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ) أَيْ وَلِأَدَائِهَا.

فَرْعٌ: ذَهَبَ الْمُزَنِيّ إلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.

فَرْعٌ: قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ أَبَدًا وَيُكْمِلَهَا مَتَى شَاءَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ: (كَالْعَاكِفِ بِمِنًى) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَمِنْ هُنَا أُخِذَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حِجَّتَانِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ يَدْفَعَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَيَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَطُوفَ، ثُمَّ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ، وَيَعُودُ إلَى الْمَوْقِفِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ بِالِاشْتِغَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ، وَلَا يَفْعَلُهَا إلَّا بَعْدَ النَّفْرِ مِنْ مِنًى، أَوْ فِي وَقْتٍ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ فِيهِ بِمَبِيتٍ، وَلَا رَمْيٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ مَنْ تَرَكَ مِنًى، وَالرَّمْيَ، وَخَرَجَ مِنْهَا يَجُوزُ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَ الْجَوَازِ بَعْدَ النَّفْرِ قَبْلَ الْوَدَاعِ إنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ.

[الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ]

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (نَفْسُ مَكَّةَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَحْرَمُوا بِالْأَبْطُحِ مُتَوَجِّهِينَ إلَى مِنًى» ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ، وَاخْتَارَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>