للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ) إلَيْهِ (لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا) كَانَ لَهُ عُذْرٌ، كَأَنْ (ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا) أَوْ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ. (فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) لِلْعُذْرِ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دَمٌ) إذَا أَحْرَمَ لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا رَوَاهُ مَالِكٌ. وَإِنْ عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا.

وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: إنْ كَانَ دَخَلَهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقِيلَ: إنْ عَادَ بَعْدَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ (وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ) إلَى الْمِيقَاتِ. (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ) إلَيْهِ (قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ) عَنْهُ لِقَطْعِهِ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا، وَأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ بَعْدَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ (فَلَا) يَسْقُطُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ النُّسُكُ رُكْنًا كَالْوُقُوفِ أَمْ سُنَّةً كَطَوَافِ الْقُدُومِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ إطْلَاقُ الْغَزَالِيِّ وَطَائِفَةٍ وَجْهَيْنِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ. وَجْهُ عَدَمِ السُّقُوطِ تَأَكُّدُ الْإِسَاءَةِ بِإِنْشَاءِ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنْ طَالَتْ الْمَسَافَةُ فَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَسْقُطَ، وَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ السُّقُوطِ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّفْصِيلِ بِالْمَذْهَبِ، وَلَا فَرْقَ فِي لُزُومِ الدَّمِ لِلْمُجَاوِزِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ ذَاكِرًا لَهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِهِ، وَلَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ. (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ) مَنْ هُوَ فَوْقَ الْمِيقَاتِ (مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا (وَفِي قَوْلٍ) الْأَفْضَلُ (مِنْ الْمِيقَاتِ قُلْت: الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْرَمَ بِحَجَّتِهِ وَبِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» . رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالثَّانِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي.

(وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ (وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ فَيُحْرِمُ بِهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْسَلَ عَائِشَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ إلَى

ــ

[حاشية قليوبي]

بِقَوْلِهِ الْآتِي: إذَا أَحْرَمَ إلَخْ. وَالْمُرَادُ بِالْمُجَاوَزَةِ الْمُجَاوَزَةُ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَلَوْ جَاوَزَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَأَحْرَمَ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ فَلَا دَمَ.

تَنْبِيهٌ: سَيَأْتِي أَنَّهُ يُكْرَهُ إحْرَامُ الْجُنُبِ وَنَحْوِ الْحَائِضِ فَهَلْ يُعْذَرُ فِي مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ هُنَا رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَحْرَمَ) لَيْسَ قَيْدًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِسُقُوطِ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَلَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَسَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ بِالْحَرَمِ) أَيْ وَأَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ فَإِنْ أَرَادَ الْقِرَانَ فَمِنْ مَسْكَنِهِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) وَلَوْ بِرِجْلٍ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا فَقَطْ.

ــ

[حاشية عميرة]

مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِيُحْرِمَ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعَوْدِ لَمْ يَجِبْ الْعَوْدُ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (إذَا أَحْرَمَ) أَيْ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَأَدَاءُ الْمَنَاسِكِ بَعْدَهُ) هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (إطْلَاقُ الْغَزَالِيِّ) دَفْعٌ لِمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ فِيمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ التَّلَبُّسُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ. قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمُقَابِلُ هُنَا خَاصَّةً خِلَافًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اهـ.

وَكَأَنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَرَكَ التَّوْجِيهَ لِعَدَمِ تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِحِكَايَةِ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْغَزَالِيِّ. قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالْحُكْمِ) لَمْ يَقُلْ أَيْضًا عَالِمًا بِالْمِيقَاتِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ، لِأَنَّ الْمُقِيمَ يَأْبَى ذَلِكَ، إذْ هُوَ فِيمَنْ بَلَغَ الْمِيقَاتَ مُرِيدُ النُّسُكِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالْمِيقَاتِ، وَفِي هَذَا الِاعْتِذَارِ نَظَرٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَك أَنْ تَقُولَ كَيْفَ رَاعَى الرَّافِعِيُّ طُولَ الْإِحْرَامِ هُنَا، وَلَمْ يُرَاعِهِ فِيمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ حَيْثُ وَافَقَ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى التَّنْعِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا) وَأَيْضًا فَقَدْ فَسَّرَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْإِتْمَامَ فِي الْآيَةِ بِذَلِكَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرَاهُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ سَائِغٌ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّمَانِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَكَانِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي حَقِّ النَّاسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ اهـ. أَقُولُ: وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالزَّمَانِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَانِ، بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ دُونَ الْأَمَاكِنِ الْمَكْرُوهَةِ.

فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا.

[وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ]

قَوْلُهُ: (إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَدَلٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَنْ بِالْحَرَمِ) تَعْبِيرُهُ بِمَنْ فِي هَذَا، وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) لَوْ أَرَادَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>