للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي لِطَلَبِي ذَلِكَ (وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ) رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ سَأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» . قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ.

(بَابُ دُخُولِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ (مَكَّةَ) زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا. (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مَشْهُورٌ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) الْجَائِي (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طِوًى وَيَدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ نَافِعٍ

ــ

[حاشية قليوبي]

التَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزَانِ. وَيُنْدَبُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ مِنْ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ. وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَلِرَسُولِك، وَآمَنُوا بِك وَوَفَّوْا بِعَهْدِك وَوَثِقُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت وَارْتَضَيْت. اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ مَا أَدَّيْت. وَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْمَذْكُورِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لِمَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا رَبُّ مَا يَبْلُغُ صَوْتِي قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ فَقَامَ إبْرَاهِيمُ عَلَى الْمَقَامِ وَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْعَتِيقِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «عِبَادَ اللَّهِ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فَسَمِعَهُ مَنْ كَانَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى مَنْ فِي الْأَصْلَابِ وَالْأَرْحَامِ» . قَوْلُهُ: (ضَعَّفُوهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ السُّؤَالُ. وَلَيْسَ التَّضْعِيفُ رَاجِعًا لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ، فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ أَيْ كَيْفِيَّةُ الْمَطْلُوبِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ بِهِ. قَوْلُهُ: (مَكَّةَ) هِيَ بِالْمِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ لُغَتَانِ اسْمٌ لِلْبَلَدِ. وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ لِلْبَلَدِ وَبِالْبَاءِ لِلْبَيْتِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْبَيْتِ وَالْمَطَافِ. وَقِيلَ بِالْمِيمِ لِلْحَرَمِ وَبِالْبَاءِ لِلْمَسْجِدِ. وَهِيَ مِنْ الْمَكِّ بِمَعْنَى الْمَصِّ يُقَلْ: امْتَكَّ الْبَعِيرُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ لِقِلَّةِ مَائِهَا. وَبِالْبَاءِ مِنْ الْبَكِّ أَيْ الْإِخْرَاجِ لِإِخْرَاجِهَا الْجَبَابِرَةَ أَوْ فِيهَا مِنْ الدَّفْعِ وَالزِّحَامِ وَهِيَ أَفْضَلُ بِلَادِ اللَّهِ إلَّا الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ حَوْلَهَا ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَتُنْدَبُ الْمُجَاوَرَةُ بِهَا إلَّا لِخَوْفِ انْحِطَاطِ رُتْبَةٍ أَوْ مَحْذُورٍ مِنْ نَحْوِ مَعْصِيَةٍ، وَأَوَّلُ مَنْ بَنَى الْبَيْتَ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَطَافُوا بِهِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ آدَم ثُمَّ ابْنُهُ شِيثٌ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ ثُمَّ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ جُرْهُمٌ، ثُمَّ قُصَيٌّ ثُمَّ قُرَيْشٌ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ الْحَجَّاجُ لِجَانِبِ الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ، ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَسَيَأْتِي بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي الطَّوَافِ. وَكَذَا كِسْوَةُ الْبَيْتِ. وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالْمُؤَلَّفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلُ وَلَوْ حَلَالًا أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَكَذَا مِصْرُ وَالشَّامُ وَالْمَغْرِبُ. قَوْلُهُ: (طِوًى) سَيَأْتِي ضَبْطُهَا. قَوْلُهُ: (نَهَارًا) فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ اللَّيْلِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ. وَخُولِفَ بَيْنَ طَرِيقَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.

وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدَّاخِلُ مُحْرِمًا وَغَيْرُهُ. وَيُنْدَبُ كَوْنُ الدَّاخِلِ مَاشِيًا وَحَافِيًا إلَّا لِعُذْرٍ وَالْمَرْأَةُ فِي هَوْدَجِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَدَاعِيًا

ــ

[حاشية عميرة]

[بَابُ دُخُولِ الْمُحْرِمِ مَكَّةَ]

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ إلَخْ

قَوْلُ الْمَتْنِ (دُخُولُهَا) الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ نَهَارًا وَمَاشِيًا وَحَافِيًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسْتَحَبُّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، وَيَتَذَكَّرَ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُك وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ، وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنْ يَغْتَسِلَ) قَدْ سَلَفَ سُنِّيَّةُ هَذَا الْغُسْلِ وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ مَوْضِعِهِ، وَطِوًى قَرْيَةٌ كَانَتْ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، وَهِيَ إلَى السُّفْلَى أَقْرَبُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ، أَيْ مَبْنِيَّةٍ والطيئ الْبِنَاءُ وَهُوَ مَقْصُورٌ وَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ وَعَدَمُهُ بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْمَكَانِ وَالْبُقْعَةِ، هَذَا إذَا جُعِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>