للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ قَطْعًا. وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَالْعَبْدُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ قَطْعًا. وَقِيلَ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الدُّخُولِ مُحْرِمًا فَهُوَ كَحُرٍّ وَعَلَى الْوُجُوبِ لَوْ دَخَلَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِأَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحِيَّةُ الْبُقْعَةِ فَلَا يَقْضِي كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَلَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَالْحَرَمُ كَمَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ.

فَصْلٌ لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْفَرْضِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ (وَاجِبَاتٌ) لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا (وَسُنَنٌ) يَصِحُّ بِدُونِهَا (أَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَيُشْتَرَطُ) لَهُ (سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَلَوْ طَافَ عَارِيًّا أَوْ مُحْدِثًا أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ يَطَأُ فِي طَوَافِهِ النَّجَاسَةَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَلَبَتُهَا فِيهِ مِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى. وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا

ــ

[حاشية قليوبي]

مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ لِجَوَازِ تَرْكِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْحَرَمُ كَمَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي أَنَّ مَنْ قَصَدَهُ يُحْرِمُ بِحَجٍّ إلَخْ.

فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ حَتَّى مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (كَطَوَافِ إلَخْ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ أَنْوَاعِهِ أَفْرَادٌ وَهِيَ طَوَافُ التَّحَلُّلِ وَطَوَافُ النَّذْرِ، وَطَوَافُ النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِطَوْفَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الْوَاجِبُ) أَيْ الْمَشْرُوطَةُ لِصِحَّتِهِ فَهُوَ ثَمَانِيَةٌ السَّتْرُ وَالطُّهْرُ وَجَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ الْيَسَارِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ وَكَوْنُهُ سَبْعًا وَكَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَعَدَمُ صَرْفِهِ وَنِيَّتُهُ إنْ اسْتَقَلَّ، وَهَذَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّارِحُ فِي التَّتِمَّةِ آخِرَ الْفَصْلِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الصَّلَاةِ) رَاجِعٌ لِلسَّتْرِ وَالطَّهَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صِحَّةُ طَوَافِ الْمُحْدِثِ، وَيَجِبُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بَدَنَةٌ وَمَعَ الْحَدَثِ شَاةٌ. قَوْلُهُ: (عَارِيًّا) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السُّتْرَةِ وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ. قَوْلُهُ: (أَوْ مُحْدِثًا) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَكَذَا فِي الْمُتَنَجِّسِ بِغَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ. وَشَمِلَتْ طَهَارَةُ الْحَدَثِ مَا لَوْ كَانَتْ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ. وَهُوَ كَذَلِكَ وَيَجِبُ الصَّبْرُ عَلَى مَنْ رَجَا الْمَاءَ حَيْثُ أَمْكَنَ قَبْلَ رَحِيلِهِ. أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَالْمُتَنَجِّسُ فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ. وَيَسْقُطُ عَنْهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا دَمٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ طَوَافِ الرُّكْنِ مَتَى أَمْكَنَ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، وَمِنْهُ فَاقِدُ الْمَاءِ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ مَعَهَا وَسَوَاءٌ تَحَلَّلُوا بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ أَوْ لَا وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا أَنَّهُ اعْتَمَدَ أَنَّ الْحَائِضَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَلَّلَ بِذَبْحٍ وَحَلْقٍ وَنِيَّةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ لَا إلَى نِيَّةٍ لِطَوَافِهَا إذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَأَعَادَتْهُ. وَأَمَّا الْمُتَيَمِّمُ الَّذِي تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَبِيرَةٍ مَثَلًا أَوْ لِنُدُورِ فَقْدِ الْمَاءِ فَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ طَوَافِ النَّفْلِ، وَلَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ وَيَحْصُلُ بِهِ تَحَلُّلُهُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ طَوَافِ الرُّكْنِ مَتَى أَمْكَنَ، وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَاقٍ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ هَذَا مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي إلَى آخِرِهِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِشَرْطِهِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنْ لَا

ــ

[حاشية عميرة]

[فَصْلٌ لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ]

ِ إلَخْ قَوْلُهُ: (كَطَوَافِ الْقُدُومِ إلَخْ) بَقِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ النَّفَلُ، وَقَدْ يُقَالُ قُيِّدَ بِذَلِكَ لَمَّا قَالَ فِي الْخَادِمِ بَحْثًا، وَنَسَبُهُ لِظَاهِرِ النَّصِّ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِطَوْفَةٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ فِي النَّفْلِ كَالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الصَّلَاةِ) فِي الْخَادِمِ هُنَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ هُنَا الِانْتِقَابُ فِي الصَّلَاةِ.

فَائِدَةٌ: الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَيْسَ شَرْطًا وَإِذَا تَرَكَهَا مَعَ الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ، وَجَبَتْ بَدَنَةٌ وَمَعَ الْحَدَثِ شَاةٌ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِنِدَاءِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «وَلَا يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ عُرَاةً، وَيَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِيَكُونُوا كَمَا خُلِقُوا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَشُدُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>