للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ الِاعْتِدَادُ بِإِشَارَتِهِ فِي الْحِلِّ أَيْضًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَنَّهُ إنْ فَهِمَهَا الْفَطِنُ وَغَيْرُهُ فَصَرِيحَةٌ أَوْ الْفَطِنُ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ.

(وَشَرْطُ الْعَاقِدِ) الْبَائِعُ أَوْ غَيْرِهِ (الرُّشْدُ) وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ مُصْلِحًا لِدِينِهِ، وَمَالِهِ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ وَمَالِهِ. نَعَمْ مَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لَهُمَا ثُمَّ بَذَّرَ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ عَقْدُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ بَعْدَهُ.

(قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُكْرَهِ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَيَصِحُّ بِحَقٍّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْمَزِيدُ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ بِأَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ شِرَاءِ مَالٍ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهِ فَأَكْرَهَهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ اهـ.

وَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَظَاهِرُ هَذَا عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِنْ قَصَدَ بِالْبَعْضِ النِّصْفَ مَثَلًا فَرَاجِعْهُ. وَأَمَّا عَكْسُ هَذِهِ بِأَنْ عَدَّدَ الْأَوَّلَ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ وَهَذَا بِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا. وَيَصِحُّ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِعْتُك نِصْفَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَانْظُرْ مَاذَا يَلْزَمُهُ، وَيَظْهَرُ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْعَقْدِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الْقَابِلَ عِنْدَ الْقَفَّالِ عَلَى كَلَامِهِ الْمَرْجُوحِ إلَّا الْأَلْفُ لَا مَا زَادَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهِ مُتَمَيِّزًا عَنْهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الصَّحَّاحِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْحِلِّ أَيْضًا) وَقَدْ قَالُوا إنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ كَالنُّطْقِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي شَهَادَةٍ، وَبُطْلَانِ صَلَاةٍ وَحِنْثٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِنْ سَبْرِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ.

قَوْلُهُ: (وَشَرَطَ الْعَاقِدُ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَخَرَجَ بِهِ الدَّلَّالُ وَالْمُتَوَسِّطُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مُصْلِحًا لِدِينِهِ) بِأَنْ لَا يَفْعَلَ مُحْرِمًا يَبْطُلُ الْعَدَالَةُ وَبِهِ خَرَجَ الْمَجْنُونُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَمَالِهِ) بِأَنْ لَا يُنْفِقَهُ فِي مُحَرَّمٍ فَيَخْرُجُ عَنْ الرُّشْدِ بِعَدَمِ صَلَاحِ وَاحِدٍ مِنْ دِينِهِ وَمَالِهِ وَشَمَلَتْ إضَافَةُ الْمَالِ مَا لَوْ كَانَتْ لِلْمُلَابَسَةِ فَيَدْخُلُ الرَّقِيقُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَنْ بَذَّرَ فِي الْمَالِ بَعْدَ صَلَاحِهِ حَالَ بُلُوغِهِ، وَخَرَجَ بِهِ مَنْ فَسَقَ بَعْدَهُ فَكَالرَّشِيدِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّشْدِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ فِيمَا مَضَى. وَقِيلَ إنْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَفْصِيلًا فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (الْمُكْرَهِ) إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ وَلَمْ يَنْوِ صِحَّةَ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (فِي مَالِهِ) أَنَّ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ لَهُ فِيهِ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ بِوَكَالَةٍ فَخَرَجَ الْمُصَادَرُ فَإِنَّ عَقْدَهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُصُ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَبَقِيَّةُ عُقُودِ الْمُكْرَهِ وَحُلُولُهُ كَبَيْعِهِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُ الْمُكْرَهِ لَاغٍ إلَّا فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَتَبْطُلُ بِهِ وَفِعْلُهُ أَيْضًا لَاغٍ إلَّا فِي عَدَمِ الِاسْتِقْبَالِ فِي الصَّلَاةِ وَالْفِعْلِ الْكَثِيرِ فِيهَا وَعَدَمِ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ مِنْهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ، وَإِلَّا فِي وُجُودِ الْقَتْلِ

ــ

[حاشية عميرة]

بِهَا عَنْ إشَارَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ النُّطْقِ؛ وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهَا وَإِنْ حَسُنَتْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ يُرَدُّ بِسَبَبِهَا أَنَّ إشَارَتَهُ فِي الدَّعَاوَى وَالْأَقَارِيرِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْفُسُوخِ وَغَيْرِهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ. وَكَانَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ إلَى بَعْضِ الِاعْتِذَارِ بِقَوْلِهِ: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَخْ.

[وَشَرْطُ الْعَاقِدِ]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَشَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ إلَخْ) عَدَمٌ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ السَّكْرَانُ وَالسَّفِيهُ وَالْمُكْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّائِمَ وَنَحْوَهُ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمْ، فَإِنْ كَانُوا عِنْدَهُ مُلْحَقِينَ بِذَوِي الرُّشْدِ وَرَدُوا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ انْتِفَاءُ الرُّشْدِ عَنْ السَّكْرَانِ الْمُعْتَدِي بِسُكْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَأَيْضًا فَالرُّشْدُ يُطْلَقُ عَلَى الرُّشْدِ فِي الْمَالِ وَعَلَى الرُّشْدِ فِي الدِّينِ، وَكِلَاهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي السَّفِيهِ الْمُهْمَلِ، الْأَمْرُ الثَّانِي السَّكْرَانُ لَا يَرِدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْمُصَنِّفُ يَنْفِي عَنْهُ التَّكْلِيفَ وَيَعْتَبِرُ تَصَرُّفَاتِهِ وَهُوَ خَلْطُ طَرِيقَةٍ بِطَرِيقَةٍ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ مُكَلَّفٌ قَالَ: أَعْنِي الْإِسْنَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ مَعْنَى التَّكْلِيفِ حَتَّى نَفَاهُ عَنْهُ مَعَ الْقَوْلِ بِتَقْيِيدِ تَصَرُّفَاتِهِ لَهُ وَعَلَيْهِ قَالَ. وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالْمُكْرَهُ فَلَا يَرِدَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَأَمَّا الْعَكْسُ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ يُعْتَبَرُ بَيْعُهُ فَلَيْسَ هُوَ مَدْلُولُ كَلَامِهِ اهـ. أَقُولُ مَا مَنَعَ بِهِ إيرَادَ السَّفِيهِ وَالْمُكْرَهِ هَلَّا مَنَعَ بِهِ إيرَادَ النَّائِمِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ عَلَى الْمُؤَلَّفِ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَحَكُّمٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقَةِ إيرَادِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَإِنْ كَانَ الْإِسْنَوِيُّ لَا يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مُصْلِحًا لِدِينِهِ) لَمْ يُبَيِّنْ ضَابِطَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْجِعَ الْعُرْفُ ثُمَّ قَضِيَّةُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ أَنَّ مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا ثُمَّ رَشَدَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا ثُمَّ رَأَيْت فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي الْمُسْقِطَةِ لِلْعَدَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الصَّبِيِّ) وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>