للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ التَّفْلِيسِ

قَالَ فِي الصَّحَاحِ: فَلَّسَهُ الْقَاضِي تَفْلِيسًا نَادَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَفْلَسَ، وَقَدْ أَفْلَسَ الرَّجُلُ صَارَ مُفْلِسًا اهـ وَالْمُفْلِسُ فِي الْعُرْفِ مِنْ لَا مَالَ لَهُ وَفِي الشَّرْعِ مَنْ لَا يَفِي مَالُهُ بِدَيْنِهِ كَمَا قَالَ ذَاكِرًا حُكْمَهُ (مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ) فِي مَالِهِ (بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَحْجُرُ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَزَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُ الْحَاوِي وَالشَّامِلُ وَالْبَسِيطُ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَأَنَّ قَوْلَ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ أَيْ بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ فِي مَالِهِ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ» .

وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ

(وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ) لِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِّ

ــ

[حاشية قليوبي]

كِتَابُ التَّفْلِيسِ

أَيْ إيقَاعُ وَصْفِ الْإِفْلَاسِ مِنْ الْحَاكِمِ عَلَى الشَّخْصِ، وَاخْتَارَ هَذَا التَّعْبِيرَ عَلَى الْإِفْلَاسِ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الشَّخْصِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ شَرْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ يُقَالُ: فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ نَادَى عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، فَهُوَ لُغَةً النِّدَاءُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَبِهِ يَشْتَهِرُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ وَشَرْعًا مَنْعُ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا كَمَا فِي الرَّهْنِ

، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَجْرَ لِأَجْلِ الْغُرَمَاءِ، وَلَعَلَّ أُجْرَةَ النِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَسَيَأْتِي عَنْ شَيْخِنَا خِلَافُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمُفْلِسُ فِي الْعُرْفِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ) وَفِي اللُّغَةِ مَنْ صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا، لِأَنَّهَا أَخَسُّ الْأَمْوَالِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الشَّرْعِ إلَخْ) سَوَاءٌ حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ لَا، فَهُمَا إطْلَاقَانِ وَالْحَجْرُ حُكْمٌ عَلَيْهِ، فَلَا يُجْعَلُ قَيْدًا فِيهِ. قَوْلُهُ: (مَنْ عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ يُطَالِبُ، وَلَوْ رَقِيقًا مَأْذُونًا فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ لِلْقَاضِي لَا لِلسَّيِّدِ. قَوْلُهُ: (دُيُونٌ) الْجَمْعُ لَيْسَ قَيْدًا وَالْمُرَادُ دُيُونُ الْآدَمِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ اللَّازِمَةِ الْحَالَّةِ كَمَا يَأْتِي، فَلَا يُحْجَرُ بِالْمَنَافِعِ، وَلَا بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ فَوْرِيًّا كَنَذْرٍ وَإِنْ انْحَصَرَ مُسْتَحِقُّوهُ، وَلَا بِنُجُومِ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا بِمُؤَجَّلٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى مَالِهِ) أَيْ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً حَيْثُ تَيَسَّرَ الْأَدَاءُ مِنْهُمَا كَدَيْنٍ عَلَى مُوسِرٍ بَاذِلٍ وَمَنْفَعَةٍ، نَحْوُ وَقْفٍ عَلَيْهِ يَسْهُلُ إجَارَتُهُ الْمُسْتَغِلَّاتِ وَالْوَظَائِفَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجْمَعُ مَالَهُ الْحَاصِلَ عِنْدَهُ، وَدَيْنَهُ الْمُتَيَسِّرَ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحَسَبِ الرَّغْبَةِ، وَمِنْ رِيعِ الْمُسْتَغِلَّاتِ وَمَا يَرْغَبُ بِهِ أَوْ مُنْكِرٌ وَلَا بَيِّنَةَ، وَالْمَرْهُونُ إنْ تَعَدَّى الْحَجْرَ إلَى الْجَمِيعِ وَلَوْ الْمَرْهُونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَأْتِي. فَالْمَالُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي مَالِهِ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (يَحْجُرُ عَلَيْهِ) وَلَوْ رَقِيقًا كَمَا مَرَّ أَوْ مَحْجُورًا وَالْحَجْرُ عَلَى وَلِيِّهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْحَجْرُ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكِّمِ لَا غَيْرِهِمَا، بِقَوْلِهِ: حَجَرْت عَلَيْهِ أَوْ مَنَعْته مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَزَادَ أَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَبُ مِنْ الْمُفْلِسِ، أَوْ الْغُرَمَاءِ أَوْ بِلَا طَلَبٍ فِي نَحْوِ الْمَحْجُورِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابُ الْحَاوِي) وَهُوَ لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالشَّامِلُ، وَهُوَ لِابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْبَسِيطُ وَهُوَ لِلْغَزَالِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ إفَادَةُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوُجُوبِ لِصِدْقِهَا بِغَيْرِهِ، فَكَانَ صَوَابُ النَّتِيجَةِ أَنْ يَقُولَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ) وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ يَعْنِي الْآنَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ) أَيْ لَا

ــ

[حاشية عميرة]

[كِتَابُ التَّفْلِيسِ]

هُوَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الشَّرْعِ حَجْرُ الْحَاكِمِ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الشَّرْعِ مَنْ لَا يَفِي إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ فِي الشَّرْعِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَفِي اللُّغَةِ مَنْ صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا ثُمَّ كُنِّيَ بِهِ عَنْ قِلَّةِ الْمَالِ ثُمَّ شُبِّهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>