للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْحَجْرِ

(مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ) أَيْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ (وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ) فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ) فِي غَيْرِ الثُّلُثِ (وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِحَقِّهِمْ (وَلَهَا أَبْوَابٌ) تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَيَأْتِي بَاقِيهَا (وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ) وَالْمُبَذِّرِ بِالْمُعْجَمَةِ. وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ (فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْإِيصَاءِ وَالْأَيْتَامِ، وَأَقْوَالِ الْمُعَامَلَاتِ وَغَيْرِهَا. أَمَّا الْأَفْعَالُ فَيُعْتَبَرُ الْإِتْلَافُ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ (وَيَرْتَفِعُ) أَيْ حَجْرُ الْمَجْنُونِ (بِالْإِفَاقَةِ) التَّامَّةِ مِنْ الْجُنُونِ

(وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا. وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ

ــ

[حاشية قليوبي]

بَابُ الْحَجَرِ هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، فَخَرَجَ الِاخْتِصَاصُ، فَالْمَنْعُ مَنْ نَقَلَهُ لِإِلْغَاءِ الْعِبَارَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْحَجْرِ. وَخَرَجَ نَحْوُ الطَّلَاقِ لِصِحَّتِهِ مِنْ السَّفِيهِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ أَنْوَاعَ الْحَجْرِ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَنْهَاهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ نَوْعًا وَهِيَ إمَّا لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ، أَوْ لِمَصْلَحَةِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ، أَوْ لَهُمَا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْهَا الْحَجْرُ لِغَرِيبٍ وَالْحَجْرُ عَلَى السَّابِي فِي مَالِ حَرْبِيٍّ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ عَلَيْهِ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ أَوْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، حَتَّى يَدْفَعَ الْمَبِيعَ وَعَكْسَهُ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِي نَفَقَةِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا بَدَلَهَا، وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ بِالْإِقْرَاءِ وَالْحَمْلِ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الثُّلُثِ) وَأَمَّا فِيهِ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ. قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدِ) أَيْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ، وَأَمَّا هُوَ فَالْحَجْرُ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَلِلَّهِ تَعَالَى كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَجْرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَلِسَيِّدِهِ إذْ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (فَبِالْجُنُونِ) وَمِثْلُهُ الْخَرَسُ الْأَصْلِيُّ بِلَا إشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّ الْمَجْنُونِ، وَأَمَّا الْخَرَسُ الطَّارِئُ وَالنَّوْمُ فَكَالْمَجْنُونِ لَكِنْ لَا وَلِيَّ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِيصَاءِ وَالْأَيْتَامِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالْإِيصَاءِ الْوَصِيَّةُ، أَوْ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ، وَيُرَادُ بِالْإِيصَاءِ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ، وَبِالْأَيْتَامِ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ أَوْ يُرَادُ بِالْإِيصَاءِ الْوَصِيَّةُ مَنْ أَوَّلِهِ، وَبِالْأَيْتَامِ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ أَوَّلُهُ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) كَالْإِسْلَامِ وَتَعْبِيرُهُ بِالثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالِامْتِنَاعِ، إذْ قَدْ يَقَعُ الِامْتِنَاعُ مِنْ غَيْرِ ثُلُثٍ كَالْمُحَرَّمِ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (فَيُعْتَبَرُ الْإِتْلَافُ مِنْهَا) أَيْ الْأَفْعَالِ مِنْهُ الِاسْتِيلَادُ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِصُورَةِ زِنَاهُ بِأَجْنَبِيَّةِ قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (دُونَ غَيْرِهِ) نَعَمْ يُعْتَبَرُ مِنْهُ الِاحْتِطَابُ وَالتَّحْرِيمُ فِي الْإِرْضَاعِ، وَتَقْرِيرُ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَعَمْدِهِ، عَمْدَانِ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ حَجْرُ الْمَجْنُونِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الانسلاب لَمْ يَرْتَفِعْ لِعَدَمِ عَوْدِ الْوِلَايَةِ لَهُ، إلَّا فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْحَاضِنَةِ، وَالنَّاظِرِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَانْظُرْ هَلْ إمَامَةُ نَحْوِ مَسْجِدٍ بِأَذَانٍ وَخُطْبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا تَنْسَلِبُ أَوْ تَعُودُ بَعْدَ السَّلْبِ، أَوْ لَا تَعُودُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ حَرِّرْهُ، وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ فَرَاجِعْهُ، وَالْإِغْمَاءُ كَالْجُنُونِ فِي ذَلِكَ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (بِالْإِفَاقَةِ) فَيَنْفَكُّ بِلَا فَكٍّ قَاضٍ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِغَيْرِ قَاضٍ.

قَوْلُهُ: (وَحَجَرُ الصَّبِيِّ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِالسِّيَاقِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الصَّبِيَّةَ لُغَةً، أَوْ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَالْحَجَرُ فِيهِ

ــ

[حاشية عميرة]

[بَابُ الْحَجْرِ]

قَوْلُهُ: (كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْإِيصَاءِ) الْأُولَى شَرْعِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ جَعْلِيَّةٌ وَمِنْهَا الْقَضَاءُ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) أَيْ كَالْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَقْوَالُ لَهُ أَمْ عَلَيْهِ وَوَجْهُ سَلْبِ الْوِلَايَةِ احْتِيَاجُهُ إلَى مَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِ، وَوَجْهُ سَلْبِ الْأَقْوَالِ عَدَمُ صِحَّةِ قَصْدِهِ، ثُمَّ تَعْبِيرُهُ بِالسَّلْبِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالِامْتِنَاعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِامْتِنَاعِ السَّلْبُ بِدَلِيلِ الْمُحَرَّمِ فِي النِّكَاحِ. قَوْلُهُ: (أَيْ حَجْرُ الْمَجْنُونِ) دَفْعٌ لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ الْقَضَاءَ مَثَلًا يَعُودُ بِارْتِفَاعِ الْجُنُونِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَحَجْرُ الصَّبِيِّ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِبُلُوغِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّشْدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَقْوَالِ السَّفِيهِ مُعْتَبَرٌ. وَحَاوَلَ السُّبْكِيُّ اتِّحَادَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الصِّبَا مُفْلَتَةُ التَّبْذِيرِ، قَالَ: وَلَا يُنَافِيهِ اخْتِصَاصُ الصَّبِيِّ بِإِلْغَاءِ أَقْوَالِهِ اهـ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَعِبَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>