للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُلِّلَ فِي الْمِنْهَبِ عَدَمُ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْدُمَهُ

(وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ) كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ حَتَّى لَوْ أَعْطَى عَارِيًّا قَمِيصًا فَلَبِسَهُ تَمَّتْ الْإِعَارَةُ، وَكَذَا لَوْ فَرَشَ لِضَيْفِهِ بِسَاطًا لِمَنْ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ إعَارَةً لِمَنْ جَلَسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ اهـ. (وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ) أَيْ حِمَارِي مَثَلًا (لِتَعْلِفَهُ) بِعَلَفِك، (أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَك فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) ، أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُدَّةَ الْإِمْسَاكِ، وَقِيلَ: هُوَ إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَهَذَا نَاظِرٌ إلَى اللَّفْظِ وَفَسَادِهِ لِذِكْرِ الْعِوَضِ، الْأَوَّلُ نَاظِرٌ إلَى الْمَعْنَى، وَفَسَادِهِ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْعَلَفِ. وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا مِنْ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ لِتُعِيرَنِي ثَوْبَك شَهْرًا مِنْ الْيَوْمِ فَهَلْ هِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ؟ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمَعْنَى.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ الْفَسَادِ فِي أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفَهُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَفُ فِي الْإِعَارَةِ عَلَى الْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ طَعَامُ الرَّقِيقِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ.

وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: عَلَى الْمُسْتَعِيرِ عَلَفُ الدَّابَّةِ وَسَقْيُهَا، وَطَعَامُ الْعِيدِ

ــ

[حاشية قليوبي]

اسْتِهْلَاكِهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ نَحْوَ الثَّوْبِ، وَخَرَجَ بِهِ اسْتِهْلَاكُ عَيْنٍ مِنْهَا فَتَصِحُّ إعَارَةُ شَجَرَةٍ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا، وَشَاةٍ لِأَخْذِ لَبَنِهَا، وَدَوَاةٍ لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا، وَهَذِهِ الْأَعْيَانُ مَأْخُوذَةٌ بِالْإِبَاحَةِ. وَالْمُعَارُ مَحَالُّهَا عَلَى الرَّاجِحِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَذْكُورَاتِ ضَمِنَهَا الْمُنْتَفِعُ، وَلَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالرُّجُوعِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَارِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ عَيْنٍ، وَلَا تَصِحُّ الْإِبَاحَةُ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ صَدَرَتْ قُبِلَ بِشَرْطِهَا فَهُوَ مُحْتَمَلٌ فَتَأَمَّلْ، وَتَصِحُّ إعَارَةُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَوْ مِنْ نَجَاسَةٍ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ كَانْمِحَاقِ الثَّوْبِ نَعَمْ إنْ تَنَجَّسَ الْمَاءُ لِقِلَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا لِخِدْمَةِ ذَكَرٍ) وَمِثْلُهَا الْأَمْرُ وَلَوْ لِمَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ أَوْ عِنْدَهُ حَلِيلَةٌ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (غَيْرِ مَحْرَمٍ) إلَّا إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى خِدْمَتِهِ. قَوْلُهُ: (فَتَجُوزُ) أَيْ فِيهِمَا، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فَجَوَّزَهُ فِي الصَّغِيرَةِ لَا فِي الْقَبِيحَةِ كَالْإِسْنَوِيِّ، وَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ مُسْلِمَةٍ لِكَافِرَةٍ لِحُرْمَةِ نَظَرِهَا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْخُنْثَى مُعِيرًا وَلَا مُسْتَعِيرًا وَإِعَارَةُ عَبْدٍ لِامْرَأَةٍ كَعَكْسِهِ. قَوْلُهُ: (الْفَسَادُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ الْوَلَدُ وَالِدَهُ إلَّا لِتَرَفُّهِهِ، وَالْإِعَارَةُ كَالِاسْتِعَارَةِ وَلَوْ مِنْ أَصْلِهِ لَهُ، نَعَمْ إنَّ خِدْمَةَ أَصْلِهِ بِغَيْرِ طَلَبِهِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا، وَيَدُلُّ لَهَا قَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ: إنَّهَا لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ مَا فِي الْمَنْهَجِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْحُرْمَةِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْدِ، وَأَمَّا خِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فَحَرَامٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بِعَقْدٍ أَوْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهَا فِي بَابِ الْجِزْيَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْخِلَافِ هُنَا، وَتَعْلِيلُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حُرْمَةُ الْعَقْدِ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ وَآخَرِينَ بِحُرْمَةِ الْخِدْمَةِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ جَوَازُهَا وَلَا وُجُودُهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ جَوَازِ عَقْدِهَا، وَلَا يُمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْمُسْلِمِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ. وَيَسْتَنِيبُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا يَقُومُ عَنْهُ بِهَا فِي غَيْرِهَا، فَقَوْلُ شَيْخِنَا بِجَوَازِ الْخِدْمَةِ هُنَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَرَاجِعْ وَحَرِّرْ. وَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ سِلَاحٍ لِحَرْبِيٍّ وَنَحْوِ مُصْحَفٍ لِكَافِرٍ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ الصِّحَّةُ فِيهِمَا مَعَ الْحُرْمَةِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ الْوَجْهُ. وَلَا يَصِحُّ إعَارَةُ صَيْدٍ لِمُحْرِمٍ، تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَعَارَ كِتَابَ عِلْمٍ أَوْ مُصْحَفًا أَوْ كِتَابَ حَدِيثٍ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً وَجَبَ إصْلَاحُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي غَيْرِهِمَا إنْ كَانَ وَقْفًا وَإِلَّا جَازَ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَنَعَهُ مَالِكُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا مَالِكِهِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ فِي خَطٍّ مُنَاسِبٍ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فِي الْجَمِيعِ.

قَوْلُهُ: (لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ) فَلَا يَكْفِي سُكُوتُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ، وَلَا الْفِعْلُ مِنْهُمَا إلَّا فِي نَحْوِ ظَرْفِ مَبِيعٍ أَوْ هَدِيَّةٍ جَرَتْ عَادَةٌ بِهِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُعَارِ فَيَكْفِي خُذْ مِنْ دَوَابِّي مَا شِئْت، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَقْدَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَكَوْنُ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ أَعْطَى إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إبَاحَةٌ فِيهِمَا.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: احْمِلْ مَتَاعِي عَلَى دَابَّتِك فَفَعَلَ فَهُوَ عَارِيَّةٌ، أَوْ أَعْطِنِي مَتَاعَك لِأَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّتِي فَهُوَ وَدِيعَةٌ، وَاسْتُشْكِلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ فِيهِ تَقَدُّمَ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمَحْمُولُ، وَإِنَّ الدَّابَّةَ مُعَارَةٌ كَالْأُولَى، وَحِينَئِذٍ فَالْمَتَاعُ أَمَانَةٌ فِيهِمَا، وَالدَّابَّةُ مُعَارَةٌ فِيهِمَا فَلَا مُخَالَفَةَ. قَوْلُهُ: (بِعَلَفِك) لَيْسَ قَيْدًا فَبِعَلَفِي كَذَلِكَ لِجَهَالَةِ الْفِعْلِ، وَتَقْيِيدُهُ بِهِ لِأَجْلِ التَّنْبِيهِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِيمَا ذَكَرَهُ لِيَأْتِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (هِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يَضُرُّ فِيهَا جَهَالَةُ الْعَمَلِ كَالتَّقْدِيمِ لِلدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَهُوَ مُغْتَفَرٌ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَالِكِ) وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ عَلَفَهَا الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا إنْ

ــ

[حاشية عميرة]

يُوَكِّلَ امْرَأَةً فِي اسْتِخْدَامِهَا.

[إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ]

قَوْلُهُ: (وَعُلِّلَ إلَخْ) يُرِيدُ بِهَذَا أَنَّ مَنْعَهُ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ خَاصٌّ بِالْإِعَارَةِ لِلْخِدْمَةِ، وَلِهَذَا جَمَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَقَالَ: التَّحْرِيمُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْخِدْمَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى غَيْرِهَا.

فَرْعٌ: يَحْرُمُ إعَارَةُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ، وَلَوْ فَعَلَ حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْإِرْسَالُ.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ هُوَ إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ) قَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى هَذَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَطْلَبِ وَاسْتَبْعَدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ الْمَنْفَعَةَ مَجَّانًا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ تَلِفَتْ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>