للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا

أَيْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرُ (رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُؤَقَّتَةُ، وَرَدُّ الْمُعِيرِ بِمَعْنَى رُجُوعِهِ، وَبِهِ عُبِّرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، (إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ) وَفَعَلَ (فَلَا يَرْجِعُ) فِي مَوْضِعِهِ (حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ) مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِيهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَكَذَا بَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ يُوَارِهِ التُّرَابَ.

تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ جَوَازِ الْعَارِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُعِيرُ، أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ انْفَسَخَتْ الْإِعَارَةُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ انْفَسَخَتْ أَيْضًا اهـ

(وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ) بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ (إنْ كَانَ شَرَطَ) عَلَيْهِ (الْقَلْعَ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا أَرْشٍ لِنَقْصِهِ (لَزِمَهُ) ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ، (فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْمُعِيرِ بِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ الْقَلْعَ رَضِيَ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ: (الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ) التَّسْوِيَةُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْأَرْضِ.

ــ

[حاشية قليوبي]

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ

قَوْلُهُ: (مَتَى شَاءَ) وَهُوَ فِي الْمُؤَقَّتَةِ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْتَهِي بِفَرَاغِهَا، وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ، وَفَارَقَ ضَمَانَ ثَمَرِ بُسْتَانٍ مَثَلًا رُجِعَ عَنْ إبَاحَتِهِ بِضَعْفِ الْمَنْفَعَةِ هُنَا، وَخَرَجَ بِرُجُوعِهِ نَحْوُ جُنُونِهِ فَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِيهِ قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِوَالِدِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَرَدُّ الْمُعِيرِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَارِيَّةِ فِي كَلَامِهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمُنَاسَبَةِ مَا بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ مَعَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْعَقْدِ لِأَجْلِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مِنْ وَقْتِ رُجُوعِهِ كَمَتَاعٍ فِي سَفِينَةٍ فِي اللُّجَّةِ، وَثَوْبٍ لِلصَّلَاةِ مُطْلَقًا أَوْ صَلَاةِ نَفْلٍ أَوْ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَحَلٍّ لِسُكْنَى مُعْتَدَّةٍ أَوْ سِكِّينٍ لِذَبْحٍ أَوْ سَيْفٍ لِقِتَالٍ، وَلَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ مِنْ الْمُصَلِّي أَتَمَّ صَلَاتَهُ عَارِيًّا إنْ عَجَزَ عَنْ السُّتْرَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ لَهُ فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِقَصْرٍ رَمَّهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَرْجِعُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ رُجُوعُ ضَمِيرِهِ لِلْمُعِيرِ وَفِي الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ الصَّوَابُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْدَرِسَ) فَلَا رُجُوعَ فِي نَبِيٍّ وَشَهِيدٍ دَائِمًا. قَوْلُهُ: (عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ) إنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَالْآدَمِيِّ فَلَا مَنْعَ فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَضْعِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ نَبِيًّا أَوْ شَهِيدًا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا بَعْدَ الْوَضْعِ) الْمُعْتَمَدُ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بِإِدْلَائِهِ فِي الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ إزْرَاءً بِهِ، وَيَجِبُ عَوْدُ دَفْنِهِ لَوْ أَظْهَرَهُ نَحْوُ سَيْلٍ إلَّا إنْ أَمْكَنَ دَفْنُهُ فِي مَحَلٍّ مُبَاحٍ قَرِيبٍ مِنْهُ، أَوْ أَوْصَلَهُ السَّيْلُ إلَيْهِ، وَكَذَا يُعَادُ لَوْ نُبِشَ لِمَا لَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَتَوَجُّهٍ لِقِبْلَةٍ، وَشَهَادَةٍ عَلَى صُورَتِهِ، وَإِلَّا كَغُسْلٍ جَازَ الرُّجُوعُ، وَإِذَا حَفَرَ الْوَارِثُ وَرَجَعَ الْمُعِيرُ غَرِمَ لَهُ أُجْرَةَ حَفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَرَّطَهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِهِ، كَمَا لَوْ حَرَثَ أَرْضًا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إلَّا بِالْحَرْثِ، فَإِنْ كَانَ الْحَافِرُ الْمَيِّتُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَغْرَمْ.

قَوْلُهُ: (انْفَسَخَتْ الْإِعَارَةُ) أَيْ بِنَحْوِ جُنُونٍ، فَلَا أُجْرَةَ كَأَرْضٍ يُمْكِنُ زَرْعُهَا بِغَيْرِ الْحَرْثِ، وَإِعَارَةُ الْكَفَنِ كَإِعَارَةِ الْقَبْرِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِسَفَهٍ) وَكَذَا بِفَلَسٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ انْفَسَخَتْ) وَيَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ الرَّدُّ وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ فَوْرًا فَإِنْ أَخَّرُوا الْعُذْرَ فَلَا أُجْرَةَ وَلَا ضَمَانَ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ فِي التَّرِكَةِ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ وَالضَّمَانُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَحَجْرُ السَّفَهِ لَا حَجْرُ الْفَلَسِ، نَعَمْ لَا تَنْفَسِخُ فِي السَّفَهِ إنْ لَمْ تُضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا حِينَئِذٍ.

تَنْبِيهٌ: يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ إنْ كَانَ نَحْوَ شَهِيدٍ لَا ذِكْرُ طُولِهِ وَغِلَظِهِ، وَنَحْوُهُمَا كَإِسْلَامٍ وَكُفْرٍ وَيُتْبَعُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ الْعِلْمُ بَعْدَ الرُّجُوعِ، وَحَيْثُ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ الدَّفْنِ وَمِثْلُهُ الْكَفَنُ، وَلِأَهْلِهِ زِيَارَتُهُ وَجُلُوسُهُمْ عَلَى قَبْرِهِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَكَذَا لِغَيْرِ أَهْلِهِ. وَيُمْنَعُ مَالِكُ الْأَرْضِ مِمَّا يَضُرُّ الْمَيِّتَ وَلَوْ بِزَرْعٍ أَوْ حَفْرِ سِرْدَابٍ، وَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ لِلدَّفْنِ فِيمَا.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَوْ شَرَطَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ أَوْ التَّبْقِيَةَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ غَرِمَ

ــ

[حاشية عميرة]

[فَصْل لِكُلِّ مِنْهُمَا أَيْ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُعِيرِ رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ]

فَصْلٌ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنَافِعِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَالتَّبَرُّعُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْقَبْضِ، وَكَذَا الْإِبَاحَةُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَلِأَنَّهَا إعَانَةٌ وَمَكْرَمَةٌ، فَلَوْ مَنَعْنَا الْمَالِكَ مِنْ الرُّجُوعِ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْهَا، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا لَوْ رَجَعَ الْمُبِيحُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُبَاحُ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَهَذَا التَّخْرِيجُ حَقٌّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ الْأُجْرَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا إذَا أَعَارَ إلَخْ) يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ مَسَائِلُ: مِنْهَا: إعَارَةُ الْكَفَنِ، وَمِنْهَا: اسْتِعَارَةُ الدَّارِ لِسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ. وَمِنْهَا؛ مَا لَوْ قَالَ أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي شَهْرًا وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (حَتَّى يَنْدَرِسَ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى ظَاهِرِ الْقَبْرِ.

قَوْلُهُ: (انْفَسَخَتْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ الْمُعِيرُ زَادَ غَيْرُهُ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ التَّخْلِيَةُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَجَّانًا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مُسْتَدْرَكٌ أَقُولُ: مُرَادُهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ غُرْمِ النَّقْصِ، وَغَرَضُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى لَفْظِ مَجَّانًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>