للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَتُرَدُّ عَلَيْهِ) فِي غَيْرِ ذَلِكَ (إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ) لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهَا، (وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ) تُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا، وَهِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، أَوْ بِلَا قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ.

(وَالْأَصْنَامُ) وَالصُّلْبَانُ (وَآلَاتُ الْمَلَاهِي) كَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِ، (لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ) لِزَوَالِ الِاسْمِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي تُكْسَرُ وَتَرْضُضُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْهُ لَا الْأُولَى وَلَا غَيْرَهَا، (فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ) أَيْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ) مِنْهُ (أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ) إبْطَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُهَا؛ لِأَنَّ رُضَاضَهَا مُتَمَوَّلٌ، وَمَنْ أَحْرَقَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، وَمَنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ الْإِحْرَاقِ فَعَلَيْهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مُنْتَهِيَةً إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَتَى بِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَشْتَرِكُونَ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُثَابُ الصَّبِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ.

(وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا) مِمَّا يُسْتَأْجَرُ كَالدَّابَّةِ (بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ) ، بِأَنْ سَكَنَ الدَّارَ وَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ وَرَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَتُضْمَنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ

(وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ) بِأَنْ وُطِئَ، وَتُضْمَنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا تُضْمَنُ بِفَوَاتٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا فَيُزَوِّجُ السَّيِّدُ الْمَغْصُوبَةَ وَالْيَدُ فِي بُضْعِ الْمَرْأَةِ لَهَا، (وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ) لَا تُضْمَنُ إلَّا بِتَفْوِيتٍ (فِي

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (وَتُرَدُّ عَلَيْهِ) فَمُؤْنَتُهَا عَلَى الْغَاصِبِ. قَوْلُهُ: (الْمُحْتَرَمَةُ) وَلَوْ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَلَا تُرَدُّ بَلْ تُرَاقُ عَلَيْهِ، وَلِلْأَئِمَّةِ كَسْرُ أَوَانِي الْخَمْرِ وَلَوْ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا الْخَمْرُ، وَيُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي دَعْوَى أَنَّ الْخَمْرَ مُحْتَرَمَةٌ إنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَظْهَرَهَا الْكَافِرُ وَادَّعَى احْتِرَامَهَا لَمْ يَقُلْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُحْتَرَمَةَ تُرَاقُ عَلَى الْكَافِرِ إذَا أَظْهَرَهَا وَفِيهِ بُعْدٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَا قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَفِي الْإِطْلَاقِ مُحْتَرَمَةٌ وَتَتَغَيَّرُ عَنْ الِاحْتِرَامِ أَوْ إلَيْهِ بِتَغَيُّرِ الْقَصْدِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى الْكَافِرُ احْتِرَامَهَا قَبْلَ إظْهَارِهَا صُدِّقَ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ كَمْ مَرَّ لِاتِّهَامِهِ.

تَنْبِيهٌ: يَلْحَقُ بِالْخَمْرِ كُلُّ مُسْكِرٍ، وَلَوْ بِالتَّخْدِيرِ كَبَنْجٍ وَحَشِيشٍ وَالْأَوْلَى فِي حَقِّ مُرِيقِ الْمُسْكِرِ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ قَبْلَهُ دَفْعًا لِلْفِتْنَةِ.

فَرْعٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ مَنْ أَرَاقَ خَمْرًا عَلَى ذِمِّيٍّ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْنَامُ وَالصُّلْبَانُ) عَطْفُهَا مُرَادِفٌ، أَوْ الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا وَالصُّلْبُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (كَالطُّنْبُورِ) شَمِلَ مَا لَا وَتَرَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ) وَيُصَدَّقُ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَالْفَاسِقُ) أَيْ بِغَيْرِ الْكُفْرِ، فَلَيْسَ لِلْكُفَّارِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُعَاقَبُونَ عَلَى عَدَمِ الْإِزَالَةِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ فِعْلِهَا مَعَ عِقَابِهِمْ عَلَيْهَا لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْإِتْيَانِ بِشَرْطِ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَيْسَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ التَّكْلِيفِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَمَا قِيلَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ) أَيْ مَعَ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِالْأَمْنِ، وَلَوْ عَلَى الْمَالِ أَوْ الْعِرْضِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُكَلَّفِ) أَيْ الْمُسْلِمِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ سِنُّهُ فَيُطْلَبُ وَلَوْ مَعَ الْخَوْفِ، وَلَا يُنَافِيهِ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ مَا فِيهِ إزَالَةُ مُنْكَرٍ.

قَوْلُهُ: (الدَّارِ) أَيْ كَأَنْ غَصَبَهَا كَذَلِكَ، فَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا دَارًا فَإِنْ بَنَاهَا مِنْ تُرَابِهَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الدَّارِ، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْعَرْصَةِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (مِمَّا يُسْتَأْجَرُ) أَيْ مِمَّا تَصِحُّ إجَارَتُهُ فَخَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَآلَةِ لَهْوٍ وَنَحْوِ حَبَّةِ بُرٍّ، فَلَا أُجْرَةَ فِيهَا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ أَوْ الْحُرْمَةِ أَوْ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ اهـ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَا تَلْزَمُ الْأُجْرَةُ وَلَوْ بِالتَّفْوِيتِ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ، الْوَقْفُ وَمَالُ الْيَتِيمِ وَمَا أُعِدَّ لِلِاسْتِغْلَالِ.

قَوْلُهُ: (وَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ) نَعَمْ لَوْ اصْطَادَ الْعَبْدَ صَيْدًا فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ زَمَنِ الصَّيْدِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا يَصِيدُهُ نَحْوُ كَلْبٍ مَغْصُوبٍ فَهُوَ لِلْغَاصِبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ جِنْسِ مَنْ يَمْلِكُ. قَوْلُهُ: (بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ بِأَقْصَاهَا، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْأَزْمِنَةِ ضَمِنَ أُجْرَةَ كُلِّ زَمَنٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ. قَالَ الْخَطِيبُ: فَلَوْ كَانَ لَهُ مَنَافِعُ ضَمِنَ أُجْرَةً أَعْلَاهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهَا وَإِلَّا ضَمِنَ أُجْرَةَ الْجَمِيعِ كَخِيَاطَةٍ وَحِرَاسَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ. نَعَمْ لَا يَضْمَنُ فِي الْحُرِّ إلَّا أُجْرَةَ مَا فَوْقَهُ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (بَدَنِ الْحُرِّ) وَثِيَابُهُ مِثْلُهُ وَلَوْ صَغِيرًا. نَعَمْ لَوْ قَهَرَ مُرْتَدًّا عَلَى عَمَلٍ وَلَوْ أُنْثَى بِوَطْئِهَا، فَلَا ضَمَانَ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا. وَكَالْحُرِّ الْمَسْجِدُ وَالرِّبَاطُ، وَالْمَدْرَسَةُ وَالشَّوَارِعُ وَالْمَقَابِرُ، وَمِنًى وَعَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ، فَإِذَا اشْتَغَلَ شَيْئًا مِنْهَا بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجَالِسُ فِيهَا ضَمِنَ أُجْرَةَ جَمِيعِهِ إنْ أَشْغَلَهُ جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ بَاقِيهِ وَإِلَّا ضَمِنَ أُجْرَةَ

ــ

[حاشية عميرة]

[إذَا غَرِمَ الْقِيمَة ثُمَّ اجْتَمَعَا فِي بَلَد التَّلَف هَلْ لِلْمَالِكِ رَدُّ الْقِيمَةِ]

قَوْلُهُ: (وَتُرَدُّ) اقْتَضَى وُجُوبَ أُجْرَةٍ فِيهِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ عِنْدَ التَّلَفِ، وَلِهَذَا نَسَبَ الْإِمَامُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْوَاجِبَ التَّخْلِيَةُ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَآلَاتُ الْمَلَاهِي) لَوْ وَجَدَ الطُّنْبُورَ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ وَتَرٍ فَهَلْ يَكْسِرُهُ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِتَفْرِيغِ الْخَمْرِ يُعَطِّلُ شُغْلَهُ فَلَهُ الْكَسْرُ. قَالَ: وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ ظُرُوفِهَا زَجْرًا وَتَأْدِيبًا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْآحَادِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْفَوَاتِ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَك أَنْ تَقُولَ الْفَوَاتُ مَوْجُودٌ فِي التَّفْوِيتِ، وَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَوَاتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِهِ. قَالَ: وَهَذَا الْبَحْثُ يَنْفَعُ فِي نَقْصِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ فَتَيَقَّظْ لَهُ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا وَالْفَوَاتِ) خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْيَدَ إلَخْ) يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ غَصْبَ الزَّوْجَةِ لَا يُسْقِطُ عَنْ الزَّوْجِ الْمَهْرَ، بِخِلَافِ غَصْبِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَأَنَّ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي نِكَاحِهَا يَدَّعِيَانِ عَلَيْهَا، وَلَا يَدَّعِي أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ إلَخْ) كَذَلِكَ الثِّيَابُ الَّتِي عَلَى الْحُرِّ، وَلَوْ صَغِيرًا جِدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>