للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِيَصِحَّ

(وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ لَغَا وَقِيلَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا) كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لَهُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي قَوْلٍ، وَلَوْ وُقِفَ عَلَى عَلَفِهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ.

(وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَنَفْسِهِ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (لَا) عَلَى (مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَنَفْسِهِ) أَيْ الْوَاقِفُ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ وَالْحَرْبِيَّ لَا دَوَامَ لَهُمَا، وَالْوَقْفُ صَدَقَةٌ دَائِمَةٌ، وَهُوَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ فَتَمْلِيكُهَا نَفْسَهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ يَقِيسُهُمَا عَلَى الذِّمِّيِّ، وَفِي النَّفْسِ يَقُولُ اسْتِحْقَاقُ الشَّيْءِ وَقْفًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِلْكًا، وَمِنْ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ، أَنْ يَشْرِطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَفِيهِ الْخِلَافُ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ وَقَفْت هَذَا عَلَى أَحَدِكُمَا لَمْ يَصِحَّ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ كَنَائِسَ فَبَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

(أَوْ جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ صَحَّ) جَزْمًا (أَوْ جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْأَغْنِيَاءِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) .

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (لِيَصِحَّ) وَيَقْبَلُ الْعَبْدُ وَإِنْ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَتْ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ بِحَالٍ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الدَّارِ، وَلَوْ عَلَى عِمَارَتِهَا إلَّا أَنْ قَالَ عَلَى طَارِقِيهَا أَوْ كَانَتْ وَقْفًا. قَوْلُهُ: (فَفِيهِ الْخِلَافُ) وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عَلَى. هَذَا الصِّحَّةُ وَعَلَّلَهُ فِي الْمَنْهَجِ، بِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا وَمُقْتَضَاهُ إنَّهُ لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ أَوْ بَاعَهَا وَإِنَّهُ بِمَوْتِهِ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي عَلَفِهَا، فَرَاجِعْ مَا فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنْ قَصَدَ مَالِكَهَا صَحَّ قَطْعًا أَوْ نَفْسَهَا بَطَلَ قَطْعًا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَّا كَالْوَقْفِ عَنْ الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ عَلَى خِدْمَةِ نَحْوِ الْكَعْبَةِ أَوْ عَلَى الدَّوَابِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ عَلَى حَمَامِ مَكَّةَ، فَصَحِيحٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّ) وَيَبْطُلُ بِمُحَارَبَتِهِ فَيَصِيرُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ أَوْ الْآخِرِ، نَعَمْ إنْ قَيَّدَهُ بِوَصْفٍ تَظْهَرُ فِيهِ الْمَعْصِيَةُ، كَأَنْ كَانَ خَادِمَ كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ بَطَلَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَسَوَاءٌ ذَكَرَ اسْمَهُ مَعَ وَصْفِهِ أَوْ لَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَالْمُعَاهِدُ وَالْمُؤَمَّنُ كَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَيَنْقَطِعُ بِعَوْدِهِمَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْجِنْسُ فَيَصِحُّ عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَالْمُعَاهِدِينَ وَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا عَلَى مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، وَكَذَا قَالُوا، وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ فِي الْقَسَمِ الْأَوَّلِ بِالْقُطَّاعِ أَوْ الذِّمِّيِّينَ مَنْ هُمْ كَذَلِكَ فِي وَقْتِ وَقْفِهِ، وَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ لَهُمْ إذَا تَابُوا وَأَسْلَمُوا فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا دَامُوا كَذَلِكَ أَوْ كُلُّ مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ عَلَى الْوَجْهِ الْوَجِيهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (لَا عَلَى مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) هُمَا لِلْجِنْسِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ ذَكَرَ اسْمَهُ مَعَ وَصْفِهِ أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (لَا دَوَامَ لَهُمَا) أَيْ مَعَ كُفْرِهِمَا فَلَا يَرِدُ صِحَّتُهُ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ. قَوْلُهُ: (وَفِي النَّفْسِ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ أَجِلَّةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ وَجَوَّزَ الرُّويَانِيُّ الْإِفْتَاءَ بِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ فِي الْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهِ) أَوْ يَقْضِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ أَوْ يُشْرِبَ مِنْهُ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ وَقَفَهَا. قَوْلُهُ: (أَوْ يَنْتَفِعَ بِهِ) كَمُطَالَعَتِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ طَبْخِهِ فِي الْقِدْرِ نَعَمْ يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْهُ أَوْ يَذْبَحَ عَنْهُ مِنْهُ، أَوْ يُسْرِجَ لَهُ فِي مَسْجِدِهِ، أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ بِمُقَابِلِ قَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، فَأَقَلَّ أَوْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إذَا اتَّصَفَ بِوَصْفِ مَنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِمْ، كَالْفُقَرَاءِ أَوْ أَنْ يَصِفَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِوَصْفٍ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، كَأَفْقَهِ أَوْلَادِ أَبِيهِ مَثَلًا، وَهَذِهِ مِنْ حِيَلِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَلَيْسَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ، قَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَقَفَ بِئْرَ رُومَةٍ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَغَيْرِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ) أَيْ الَّتِي لِلتَّعَبُّدِ فَإِنْ كَانَتْ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ: وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ صَحَّ فَإِنْ شُرِّكَ بَيْنَهُمَا بَطَلَ وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى كِتَابَةِ التَّوْرَاةِ مَثَلًا، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ دَارٍ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْكَنِيسَةِ فَإِنْ ضُمَّ إلَيْهِمْ مُسْلِمًا صَحَّ.

قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ بَحْثٌ بِمَا مَرَّ قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (كَالْفُقَرَاءِ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَا فِي الزَّكَاةِ إلَّا الْمُكْتَسِبَ لِمَا يَكْفِيه فَهُوَ هُنَا مِنْهُمْ وَكَالْوَقْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَالْعُلَمَاءِ) وَهُمْ عُلَمَاءُ الشَّرْعِ كَالْوَصِيَّةِ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ إلَخْ) مِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الطُّيُورِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ لَا يَصِحُّ جَزْمًا.

قَوْلُهُ: (لَا عَلَى مُرْتَدٍّ) لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى الْمُرْتَدِّينَ أَوْ الْحَرْبِيِّينَ بَطَلَ قَطْعًا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَنَفْسِهِ) لَوْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُبَاحَةً، كَأَنْ يَقِفَ مَكَانًا مَسْجِدًا أَوْ مَمَرًّا فَلَا يَضُرُّ التَّصْرِيحُ بِنَفْسِهِ مَعَ النَّاسِ بِخِلَافِ وَقْفِ الْبُسْتَانِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ وَأَنْ كَانَ يَدْخُلُ عَنْ الْإِطْلَاقِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ اتَّصَفَ بِالْفَقْرِ. قَوْلُهُ: (وَفِي النَّفْسِ إلَخْ) عَلَيْهِ أَجُلَّةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ.

وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى بِهِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ عَلَى نَفْسِي، ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَيْ فَيَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ.

[فَرْعٌ لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ وَقَفْت هَذَا عَلَى أَحَدِكُمَا]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ جِهَةِ) لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّعْمِيمِ، بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِيهِمْ لَا يُوجِبُ الِاسْتِيعَابَ، لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا مِثْلَ الْقَنَاطِرِ وَالرَّبْطِ قَالَ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُرَّ التَّعْمِيمُ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>