للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ) فَيَجُوزُ أَكْلُهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ قَالَ الْبَغَوِيّ، وَيَكُونُ عَارِيَّةً.

كِتَابُ اللُّقَطَةِ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ فِي الْمَشْهُورِ أَيْ الشَّيْءِ الْمُلْتَقَطِ وَهُوَ مَا ضَاعَ مِنْ مَالِكِيهِ لِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فِي مَحَالَّ تَأْتِي (يُسْتَحَبُّ الِالْتِقَاطُ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ يَجِبُ) عَلَيْهِ صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ. (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ وَاثِقٍ) بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ.

ــ

[حاشية قليوبي]

الْمَقْصُودُ عُرْفًا أَوْ عَادَةً وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَذَرَ شَيْئًا لِوَلِيٍّ مَيِّتٍ فَإِنْ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ لَغَا، أَوْ تَمْلِيكَ خَدَمَتِهِ مَثَلًا فَلَهُمْ وَإِلَّا صُرِفَ فِي مَصَالِحِ قَبْرِهِ وَإِنْ كَانَ، وَإِلَّا فَلِمَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَصْدِهِمْ عِنْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ عَارِيَّةً) فَهُوَ مَضْمُونٌ إلَّا إذَا كَانَ بِمُقَابِلٍ فَهُوَ إجَارَةٌ، فَلَا يُضْمَنُ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ هُوَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَكْلِ مِنْهُ أَمَانَةٌ فِيهِمَا. فُرُوعٌ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَدِيَّةٍ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا بِالْأَكْلِ مِنْهَا» ، لَكَانَ الذِّرَاعُ الْمَسْمُومُ، وَصَارَ ذَلِكَ عَادَةَ الْمُلُوكِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْهَدَايَا وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِأُمِّهِ حَامِلًا لَهَا وَهُوَ يُنْشِدُ وَيَقُولُ:

أَنَا لَهَا مَطِيَّةٌ لَا أَنْفِرُ ... إذَا كَانَ الرِّكَابُ ذُعِرَتْ لَا أَذْعَرُ

مَا حَمَلَتْ وَأَرْضَعَتْنِي أَكْثَرُ ... اللَّهُ رَبِّي ذُو الْجَلَالِ أَكْبَرُ

فَائِدَةٌ تَحْصُلُ صِلَةُ الرَّحِمِ الْمَنْدُوبَةُ بِإِرْسَالِ سَلَامٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ إرْسَالِ هَدِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاكْتِسَابِ فَلِذَلِكَ ذُكِرَتْ عَقِبَ الْهِبَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَشْهُورِ) وَإِسْكَانُ الْقَافِ فِيهِمَا، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلَّاقِطِ وَيُقَالُ لَهَا لُقَاطَةٌ وَكَذَا لَقَطَةٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ فِيهِمَا أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (الشَّيْءُ الْمَلْقُوطُ) أَيْ لُغَةً. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْمَلْقُوطُ شَرْعًا مَا ضَاعَ مِنْ مَالٍ، أَوْ اخْتِصَاصٍ مُحْتَرَمٍ كَمَالِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا لِلتِّجَارَةِ بِأَمَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُحْتَرَمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ، فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيمَةٌ لَا لُقَطَةٌ، وَبِذَلِكَ خَرَجَ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، أَوْ أَلْقَاهُ هَارِبٌ فِي حِجْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَالِكُهُ أَوْ أَلْقَتْهُ الْبِحَارُ عَلَى السَّوَاحِلِ مِنْ الْغَرَقِ، أَوْ وَجَدَهُ عِنْدَ مُورَثِهِ مِنْ الْوَدَائِعِ الْمَجْهُولَةِ، وَلَمْ تُعْرَفْ مُلَّاكُهَا فَأَمْرُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ نَعَمْ إنْ كَانَ جَائِرًا فَأَمْرُهُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ عَرَفَ الْمَالِكُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا رُجُوعَ لِآخِذِهِ عَلَى مَالِكِهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَيَوَانًا وَمِنْهُ جَمَلٌ أَعْيَا أَوْ أَثْقَلَهُ الْحَمْلُ فَتَرَك الْجَمَلُ مَالِكَهُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَثَلًا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاللَّيْثِ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ لَا يَمْلِكُهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى مَالِكِهِ بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَفْلَةً) وَمِنْهُ إبْدَالُ نَعْلِهِ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بَعْدَ تَعْرِيفِهِ أَوْ إعْرَاضِ مَالِكِهِ عَنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ تَعَمُّدَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الظَّفَرِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوُهُمَا) كَنَوْمٍ وَعِلْمٍ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ أَرْكَانَهَا ثَلَاثَةٌ لَاقِطٌ وَمَلْقُوطٌ وَلَقْطٌ وَفِي اللَّقْطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمِينٌ، فِيمَا لَقَطَهُ وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ مَحْجُورٍ، وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ مِنْ حَيْثُ التَّمَلُّكُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَالْمُغَلِّبُ مِنْهَا الثَّانِي بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْتِقَاطِ الصَّبِيِّ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي اللَّاقِطِ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ، وَعَدَمُ وُجُودِ حَجْرِ سَفَهٍ عَلَيْهِ وَفِي أَضْدَادِ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي. قَوْلُهُ: (يُسْتَحَبُّ) نَعَمْ يَجِبُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الضَّيَاعُ بِتَرْكِهِ.

ــ

[حاشية عميرة]

قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ عَارِيَّةً) أَيْ إذَا لَمْ تَقْتَضِ ثَوَابًا، وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ.

[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

ِ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الشَّيْءُ الْمُلْتَقَطُ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: بِفَتْحِهَا: هِيَ الشَّخْصُ الْمُلْتَقِطُ كَالضُّحَكَةِ بِالتَّحْرِيكِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ وَيُقَالُ أَيْضًا: لُقَاطَةٌ وَكَذَا لَقَطٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ، وَهِيَ لُغَةً: مَا وُجِدَ عَلَى تَطَلُّبٍ قَالَ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٨] وَشَرْعًا: مَا وُجِدَ مِنْ مَالٍ أَوْ مُخْتَصٍّ ضَائِعٍ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ، وَلَا مُمْتَنِعٍ بِقُوَّتِهِ؛ وَلَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مَالِكَهُ. وَخَرَجَ بِالْمُحْرَزِ الْمَالُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَكَانِ الْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ فَإِنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ يُحْفَظُ، وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ بَلْ يَحْفَظُهُ الْإِمَامُ أَوْ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ، أَوْ يَقْتَرِضُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ: إلَّا إذَا أَتَى مَنْ يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْهِبَةِ نَظَرًا لِلِاكْتِسَابِ، وَلَوْ ذُكِرَتْ عَقِبَ الْقِرَاضِ لَكَانَ مُتَّجِهًا أَيْضًا فَإِنَّا نَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَهُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيِّ مَسْلَكُ الصَّدَقَةِ، وَلِهَذَا مَنَعَ الْغَنِيَّ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (صِيَانَةً لِلْمَالِ إلَخْ) رُدَّ هَذَا بِأَنَّهَا أَمَانَةٌ ابْتِدَاءً اكْتِسَابٌ انْتِهَاءً وَكُلٌّ لَا يَجِبُ. نَعَمْ لَوْ تَعَيَّنَ لِلْأَخْذِ وَخَافَ الضَّيَاعَ يَنْبَغِي الْوُجُوبُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ وَاثِقٍ) اسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ جَزْمَهُمْ بِذَلِكَ مَعَ حِكَايَةِ وَجْهٍ هُنَا بِالْوُجُوبِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ وَالِاسْتِحْبَابُ يُجَامِعُهُ تَرْكُ الْفِعْلِ فَأَخْذُهُ مَعَ الْخَوْفِ خَطَرٌ يُمْكِنُهُ اجْتِنَابُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>