للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: عَاقِدٌ، وَصِيغَةٌ، وَشَجَرٌ، وَعَمَلٌ، وَثَمَرٌ وَتَرَكَ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ هُنَا بَيَانَ الْعَاقِدِ، وَالثَّمَرِ؛ اكْتِفَاءً بِمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي الْبَيَانِ الْبَقِيَّةَ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُسَاقِيَا) أَيْ الْمَالِكُ (نَخْلًا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَكَرْمًا) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّخْلِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَأَتِّي الْخَرْصِ فِي ثَمَرَتَيْهِمَا فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ فِيهِمَا سَعْيًا فِي تَثْمِيرِهِمَا رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَالْعَامِلِ، وَالْمَسَاكِينِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْبُقُولِ، وَالزُّرُوعِ، وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ كَالْخَوْخِ، وَغَيْرِهَا كَالْخِلَافِ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ عَدَمِ تَأَتِّي الْخَرْصِ فِي ثَمَرَتِهَا. وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ صِحَّتَهَا عَلَى سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ فِيهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَى عَمَلٍ. وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّ الْمَنْعِ أَنْ تَفَرَّدَ بِالْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ سَاقَى عَلَيْهَا تَبَعًا لِنَخْلٍ، أَوْ عِنَبٍ فَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ كَالْمُزَارَعَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عُسْرُ إفْرَادِهِمَا بِالسَّقْيِ كَالْمُزَارَعَةِ. وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ يُفْهِمُهُ. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ عَدَمَ صِحَّتِهَا فِي شَجَرِ الْمُقْلِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَلَوْ أَبْدَلَ النَّاظِمُ وَأَصْلُهُ الْكَرْمَ بِالْعِنَبِ كَانَ أَوْلَى لِلنَّهْيِ فِي مُسْلِمٍ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا.

(غَرْسًا) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى وَدِيٍّ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الثَّمَرُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ الْبَذْرَ لِيَزْرَعَهُ، وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ فَضَمُّهُ إلَيْهَا كَضَمِّ غَيْرِ التِّجَارَةِ إلَى عَمَلِ الْقِرَاضِ فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعَمِلَ الْعَامِلُ فَلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ (وَرُوِيَا) لِلْعَاقِدَيْنِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ الْمَرْئِيِّ لَهُمَا؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِوَضَ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ وَهُمَا جَاهِلَانِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ وَبِصِفَاتِهِ، فَلَا يُحْتَمَلُ ضَمُّ غَرَرٍ آخَرَ (وَعُيِّنَا) فَلَا يَصِحُّ عَلَى إحْدَى الْحَدِيقَتَيْنِ مُبْهَمَةً لِلْجَهْلِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرُّؤْيَةِ وَبِالتَّعْيِينِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَهَذَا لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ فَاحْتِيطَ لَهُ وَسَوَاءٌ فِي صِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ سَاقَاهُ (بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرِ أَوْ لَا) أَيْ: أَوْ قَبْلَهُ لَكِنَّ مَحَلَّ صِحَّتِهَا بَعْدَهُ مَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (إذَا) كَانَ (الْخَارِجُ لَمْ يُؤَبَّرْ) وَصَوَابُهُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ لَمْ يَصِحَّ لِفَوَاتِ مُعْظَمِ الْأَعْمَالِ

. ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْمُزَارَعَةِ وَهِيَ عَمَلُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَالْبَذْرُ مِنْ مَالِكِهَا فَقَالَ: (وَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ (يُزَارِعَ) فِي (الَّذِي تَخَلَّلَا) مِنْ الْبَيَاضِ بَيْنَ النَّخْلِ، أَوْ شَجَرِ الْعِنَبِ، سَوَاءٌ كَثُرَ الْبَيَاضُ أَمْ قَلَّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَخْتَلِفُ (وَ) مَحَلُّهُ إذَا (عَسُرَ الْإِفْرَادُ) أَيْ: إفْرَادُ الْمُتَخَلِّلِ بِالْعَمَلِ، وَالنَّخْلِ وَشَجَرِ الْعِنَبِ بِالسَّقْيِ (لَوْ قَدْ عُمِلَا) أَيْ: لَوْ أَفْرَدَ الْعَامِلُ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: نَخْلًا) نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ: نَخْلًا) أَيْ حَتَّى الذُّكُورَ وَلَوْ مُنْفَرِدَةً بِرّ وَكَتَبَ أَيْضًا وَتَجْوِيزُ صَاحِبِ الْخِصَالِ لَهَا عَلَى فُحُولِ النَّخْلِ مَقْصُودَةٌ مُنَظَّرٌ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِلْقَدِيمِ حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: وَصَوَابُهُ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِعَدَمِ التَّأْبِيرِ يُخْرِجُ الْمُؤَبَّرَ فَيُفَصَّلُ فِيهِ بَيْنَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فَتَمْتَنِعُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ فَلَا تَمْتَنِعُ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لَا يَرِدُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهُ لَمْ يَصِحَّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي الْبَعْضِ كَنَظَائِرِهِ بِرّ

(قَوْلُهُ: أَيْ: إفْرَادُ الْمُتَخَلِّلِ بِالْعَمَلِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عُسْرِ إفْرَادِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ حَتَّى لَوْ عَسِرَ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ امْتَنَعَتْ وَكَتَبَ أَيْضًا بِخِلَافِ تَعَسُّرِ أَحَدِهِمَا

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّخْلِ) أَيْ: فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَيْهِ؛ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ جَوَازِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ. (وَقَوْلُهُ: ثَمَرَتَيْهِمَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: تَثْمِيرِهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَالْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ) ، وَلِأَنَّهَا تَنْمُو مِنْ غَيْرِ تَعَهُّدٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ اهـ. مَحَلِّيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّهُ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» ، وَحَمَلَهُ الْجَدِيدُ عَلَى النَّخْلِ؛ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّخْلِ؛ وَلِذَا جَمَعَهُمَا الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ لَا يُقَالُ: هَذَا مِنْ بَابِ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ يُحَكَّمُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ، وَالْمُقَيَّدِ؛ نَظَرًا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْمُصَرِّحِ بِالنَّخْلِ لَا مِنْ بَابِ الْعَامِّ، وَالْخَاصِّ. اهـ. ق ل مَعْنَى وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ وَفِي الْإِثْبَاتِ لَا تَعُمُّ.

(قَوْلُهُ: الْمُثْمِرَةِ) أَيْ: مَا شَأْنُهَا الْإِثْمَارُ ق ل. (قَوْلُهُ: أَنْ تُفْرَدَ) أَيْ: الْأَشْجَارُ الْمُثْمِرَةُ، فَخَرَجَ غَيْرُ الْمُثْمِرَةِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ تَبَعًا، لَكِنَّ فِي كَلَامِ السَّنْبَاطِيِّ مَا يُفِيدُ الْجَوَازَ ق ل. (قَوْلُهُ: فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ) أَيْ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. اهـ. نَاشِرِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ إلَخْ) لَفْظُهُ «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» قِيلَ: يُسَمَّى كَرْمًا مِنْ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَ مِنْهُ تُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكُرِهَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ وَجَعَلَ الْمُسْلِمَ أَحَقَّ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرَمِ يُقَالُ: رَجُلٌ كَرْمٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ: كَرِيمٌ. اهـ. خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَخْ) أَيْ: فَهُوَ بَاطِلٌ كَالْمُزَارَعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا. (قَوْلُهُ: مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرُّؤْيَةِ) تَقَدَّمَ فِي الرَّوْضِ مَا فِي هَذَا

[بَيَانِ الْمُزَارَعَةِ]

(قَوْلُهُ: الَّذِي تَخَلَّلَ) مَعْنَى التَّخَلُّلِ أَنْ تَشْتَمِلَ الْحَدِيقَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِهِ الشَّجَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>