للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابُ الْإِجَارَةِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ ضَمَّهَا وَصَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَهَا وَهِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَشَرْعًا: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ، وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ، وَالْجِعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذَكَرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ، وَبِعِوَضٍ مَعْلُومٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهَا، وَالْإِعَارَةُ، وَالْمُسَاقَاةُ نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوُهُ، وَالْجِعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ. وَعُلِمَ مِنْ تَفْرِيعِهَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا وَقِيلَ: الْعَيْنُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ لِإِضَافَةِ اللَّفْظِ إلَيْهَا غَالِبًا، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَمَوْرِدُ الْعَقْدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي لَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْعَيْنَ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كَمَا تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْعَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: بَلْ هُوَ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ.

فَفِي الْبَحْرِ وُجِّهَ أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِهَا وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا التَّخْرِيجَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَأَيْضًا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا: مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لَمْ يَصِحَّ إيرَادُ عَقْدٍ آخَرَ عَلَيْهَا، أَوْ الْمَنْفَعَةُ جَازَ.

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: ٦] . وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا نَظَرٌ وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالصِّدِّيقَ اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» . وَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: عَاقِدٌ، وَصِيغَةٌ، وَأُجْرَةٌ، وَمَنْفَعَةٌ إلَّا أَنَّ النَّاظِمَ تَرَكَ بَيَانَ الْعَاقِدِ؛ اكْتِفَاءً بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْبَقِيَّةِ فَقَالَ: (صِحَّةُ الْإِيجَارِ بِإِيجَابٍ) مِنْ الْمُؤَجِّرِ (كَمَا) لَوْ قَالَ: (أَكْرَيْتُ، أَوْ أَجَرْت) فُلَانًا هَذَا سَنَةً بِكَذَا (أَوْ نَحْوَهُمَا) : كَجَعَلْتُ لَك مَنْفَعَتَهُ سَنَةً بِكَذَا، أَوْ أَلْزَمْت ذِمَّتَك عَمَلَ

ــ

[حاشية العبادي]

(بَابُ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَرِدُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ إلَى غَايَةِ مَعْلُومَةٍ؛ لِيَخْرُجَ هَذَا الْمَوْرِدُ بِرّ. (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ) ثُمَّ قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِهَا هَلْ مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّفَاضُلِ، أَوْ أَعَمُّ نَظَرًا؛ لِأَنَّ تَأَخُّرَ قَبْضِ مَنْفَعَتِهِ بِمَنْزِلَةِ تَأَخُّرِ قَبْضِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا نَظَرٌ) يُشِيرُ إلَى اعْتِرَاضِ الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ، إذَا وَقَعَ الْإِرْضَاعُ اُسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ لَا أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ قَالَ: وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ تَجِبُ أُجْرَتُهُ عَلَى مَنْ شَغَلَهُ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ. اهـ. وَنُوقِشَ بِأَنَّ لَفْظَ أُجُورِهِنَّ ظَاهِرٌ فِيمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ. كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا. وَقَدْ يُنَاقَشُ فِي هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ كَانَ الظَّاهِرُ

ــ

[حاشية الشربيني]

م ر فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَالِكَ هُنَا لَمَّا كَانَ هُوَ عَاقِدُ الْمُسَاقَاةِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا شَرَطَهُ لِلْعَامِلِ؛ لِالْتِزَامِهِ لَهُ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ فَلْيُتَأَمَّلْ

[بَابُ الْإِجَارَةِ]

(بَابُ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ: قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ، وَالْإِبَاحَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْبَذْلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بِقَابِلَةٍ لِمَا ذَكَرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَكِنْ فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، فَخَرَجَ بِقَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ نَحْوُ الْبِضْعِ وَبِالْإِبَاحَةِ نَحْوُ جَارِيَةٍ لِلْوَطْءِ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ وَإِنْ قَبِلَتْ الْبَذْلَ لَا تَقْبَلُ الْإِبَاحَةَ، وَأَمَّا الْبِضْعُ فَلَا يَقْبَلُ الْبَذْلَ أَيْضًا تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: مَنْفَعَةُ الْبِضْعِ) فَإِنْ قِيلَ مَنْفَعَتُهُ لَمْ تَدْخُلْ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلِذَا اُحْتِيجَ لِإِخْرَاجِهَا. اهـ. خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُسَاقَاةُ) هِيَ خَارِجَةٌ بِمَعْلُومَةٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَجْهُولٌ دَائِمًا. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ) يُمْكِنُ إخْرَاجُهُمَا بِأَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ صِيغَتِهَا الْآتِيَةِ أَنَّهَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، أَوْ نَحْوِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجِعَالَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِقَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لَا إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ق ل. (قَوْلُهُ: لِإِضَافَةِ اللَّفْظِ إلَيْهَا غَالِبًا وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ إلَخْ) رَدَّهُ فِي ش الرَّوْضِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَيْنًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً مُلْحَقَةٌ بِالْمَوْجُودَةِ وَلِهَذَا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ دَيْنًا وَلَوْلَا إلْحَاقُهَا بِالْمَوْجُودَةِ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ. اهـ. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا إلَخْ أَيْ: لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ، وَلَوْ قُلْنَا: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَالْمَوْجُودَةِ لَمْ يَصِحَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ إلَخْ) هَلْ الْحُلِيُّ قَيْدٌ؟ فَإِنْ كَانَ قَيْدًا أَمْكَنَ إجْرَاءُ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ سِوَى عَيْنِهِ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ إلَخْ) أَيْ: مَعَ التَّفَاوُتِ لِيَظْهَرَ التَّخْرِيجُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إلَخْ) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ شُهْبَةَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْمَنْفَعَةُ جَازَ) يُمْكِنُ مَنْعُهُ بِأَنَّهُ لِعَدَمِ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَيْنِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا لِحَقِّهِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَجَرْت فُلَانًا إلَخْ) تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>