للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الَّذِي مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ فَوَجَدُوا لَهُ دِينَارَيْنِ كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ» قَالَ وَأَمَّا سُؤَالُهَا فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِمَالٍ أَوْ بِصَنْعَةٍ فَحَرَامٌ وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ وَمَتَى تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَا بَأْسَ بِمِلْكِهِ مِنْهُ بِالْإِرْثِ وَلَا بِتَمَلُّكِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ النِّكَاحِ)

هُوَ لُغَةً الضَّمُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا تَمَايَلَتْ وَانْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ بِتَرْجَمَتِهِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] لِخَبَرِ «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وَقَوْلُهُ {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» وَخَبَرُ «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا وَكَخَبَرِ «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَابْتَدَأَ النَّاظِمُ كَجَمَاعَةٍ الْبَابَ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ مَنَعَ ابْنُ خَيْرَانَ الْكَلَامَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ انْقَضَى فَلَا مَعْنَى لِلْكَلَامِ فِيهِ.

وَقَالَ سَائِرُ الْأَصْحَابِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ قَالَ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ بَلْ بِاسْتِحْبَابِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ وُجُوبُهُ لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ فَيَعْمَلُ بِهَا أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ أَهَمُّ مِنْ هَذِهِ؟ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ الْخَصَائِصِ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ الْيَوْمَ فَقَلِيلٌ لَا تَخْلُو أَبْوَابُ الْفِقْهِ عَنْ مِثْلِهِ لِلتَّدَرُّبِ وَمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَتَحْقِيقِ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَاجِبَاتٌ وَمُحَرَّمَاتٌ وَمُبَاحَاتٌ وَتُسَمَّى تَخْفِيفَاتٌ وَفَضَائِلُ وَتُسَمَّى كَرَامَاتٌ وَقَدْ بَدَأَ مِنْهَا بِالْوَاجِبَاتِ فَقَالَ (خُصَّ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّهْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَبِهِ يَنْضَبِطُ كَلَامُ النَّاظِمِ (وَالْوَتْرِ وَالضُّحَى) لِخَبَرِ «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوَتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَقَلُّ إلَّا لِضُحًى لَا أَكْثَرَهُ وَقِيَاسُهُ فِي الْوَتْرِ كَذَلِكَ وَوُجُوبُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ نَظَرٌ لِضَعْفِ الْخَبَرِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ الْوَتْرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحُوهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ وَبِهِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْأُمَّةِ.

فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ قَالَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَضَرِ دُونَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ) اسْتَثْنَى فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ مَنْ يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ مِنْ خَطِّهِ بِرّ وَكَتَبَ أَيْضًا يَنْبَغِي جَوَازُ سُؤَالِ الْقَادِرِ بِالْكَسْبِ لِدَيْنِهِ كَمَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ لِدَيْنِهِ سم (قَوْلُهُ: وَمَا يَأْخُذُهُ حَرَامٌ) أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ مَعَ حُرْمَةِ السُّؤَالِ يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ (فَرْعٌ)

أَبْرَأَهُ يَظُنُّ إعْسَارَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ نَفَذَتْ الْبَرَاءَةُ أَوْ بِشَرْطِ إعْسَارِهِ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَصِحَّ م ر

(بَابُ النِّكَاحِ)

(قَوْلُهُ: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) أَقُولُ كَانَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ هُنَا أَيْضًا عَلَى الْعَقْدِ وَلَا يُنَافِيهِ تَوَقُّفُ الْحِلِّ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ وَرَاءَ الْعَقْدِ كَالْوَطْءِ كَمَا أَنَّهُ بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ يَتَوَقَّفُ الْحِلُّ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ كَالطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْعَقْدِ عَلَيْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ سم

(قَوْلُهُ: بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ) الْمُنَاسِبُ لِلْوُجُوبِ أَنْ يُرَادَ بِهَا التَّضْحِيَةُ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ فِي الْوَتْرِ كَذَلِكَ) هَلْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَقَلِّ مَكْرُوهٌ فَكَيْفَ يَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَا يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَقَلُّ كَمَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثٌ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ الْخَبَرِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَدْ يُجَابُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اُعْتُضِدَ بِغَيْرِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَكِنْ بِتَعَدُّدِ طُرُ قِه نَزَّلُوهُ مَنْزِلَةَ الْحَسَنِ حَجَرٌ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ) فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمِ أَنَّ إيتَارَهُ عَلَى بَعِيرِهِ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا حَجَرٌ

ــ

[حاشية الشربيني]

إلَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ وَلَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ إنْ ظَنَّهُ الدَّافِعُ مُتَّصِفًا بِهَا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِلَا رِضًى مِنْ صَاحِبِهِ إذْ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ إلَّا عَلَى ظَنِّ الْفَاقَةِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَتَى أَذَلَّ نَفْسَهُ أَوْ أَلَحَّ فِي السُّؤَالِ أَوْ آذَى الْمَسْئُولَ حَرُمَ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ سم وَفِي الْإِحْيَاءِ مَتَى أَخَذَ مَنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْمَسْأَلَةَ عَالِمًا بِأَنَّ بَاعِثَ الْمُعْطِي الْحَيَاءُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَلَوْلَاهُ لَمَّا أَعْطَاهُ فَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَحَيْثُ أَعْطَاهُ عَلَى ظَنِّ صِفَةٍ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهَا وَلَوْ عَلِمَ مَا بِهِ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْأَخْذَ مَا أَخَذَهُ. اهـ. شَرْحُ م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْإِيذَاءَ وَالْإِلْحَاحَ وَالْإِذْلَالَ حَرَامٌ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ لَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا) أَيْ بِمَا يَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ يَوْمًا وَلَيْلَةً (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا) أَيْ فِي غَيْرِ مَا اُعْتِيدَ سُؤَالُهُ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا) فِي الْإِحْيَاءِ سُؤَالُ الْغَنِيِّ حَرَامٌ إنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمُمَوَّنَهُ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَسِتْرَتَهُمْ وَآنِيَةً يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا قَالَ م ر وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ كَانَ السُّؤَالُ عِنْدَ نَفَادِ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ وَإِلَّا امْتَنَعَ. اهـ.

[بَابُ النِّكَاحِ]

(قَوْلُهُ: بِلَفْظِ النِّكَاحِ) خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>