للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَرِقُّ بَعْضُهَا، فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا، فَلَا يَثْبُتُ مَهْرُهَا، نَعَمْ إنْ دَخَلَ بِهَا، فَقَدْ أَتْلَفَ مَنْفَعَةَ بَعْضِهَا، فَإِنْ عَفَّتْ عَنْ الْمَهْرِ اسْتَمَرَّ عِتْقُهَا، وَإِلَّا فَيَتَبَيَّنُ رِقُّ بَعْضِهَا وَفَسَادُ النِّكَاحِ أَيْضًا، فَتَأْخُذُ مِنْ الْمَهْرِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ فَقَطْ، وَلَا مَهْرَ أَيْضًا إذَا نَكَحَ كَافِرٌ كَافِرَةً بِالتَّفْوِيضِ وَاعْتَقَدَا أَنْ لَا مَهْرَ ثُمَّ أَسْلَمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ وَتَقَدَّمَ فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِهِ مَهْرٌ

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالضِّرَارِ، وَهِيَ فِي النَّسَبِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ وَالْحِرْفَةِ وَالْعِفَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ فَقَالَ: (وَمَا) أَيْ: وَلَيْسَتْ (نَسِيبَةٌ) كُفُؤًا لِغَيْرِ النَّسِيبِ، إذْ النَّاسُ تَفْتَخِرُ بِأَنْسَابِهَا أَتَمَّ فِخَارٍ قَالَ الْإِمَامُ: وَالْغَزَالِيُّ: وَشَرَفُ النَّسَبِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ: جِهَةُ النُّبُوَّةِ وَجِهَةُ الْعِلْمِ وَجِهَةُ الصَّلَاحِ الْمَشْهُورِ قَالَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ لِعُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَالظَّلَمَةِ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الرِّقَابِ، وَإِنْ تَفَاخَرَ النَّاسُ بِهِمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا يُسَاعِدُهُمَا عَلَيْهِ كَلَامُ النَّقَلَةِ فِي الْعُظَمَاءِ أَيْ: فَيُعْتَبَرُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَيْفَ لَا يُعْتَبَرُ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِمْرَةِ أَيْ: وَنَحْوِهَا أَنْ تَكُونَ كَالْحِرْفَةِ؟ وَذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لَا يُكَافِئُ النَّفِيسَةَ. (وَمَنْ) الْوَاوُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ تَرَكَهَا كَالْحَاوِي أَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ كَغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَدْخُولَهَا تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهَا وَتَفْرِيعٌ عَلَيْهِ أَيْ: فَمَا مِنْ تُنْسَبُ (لِلْعَرَبِ) كُفُؤًا لِلْعَجَمِيِّ لِشَرَفِ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَالْعِبْرَةُ بِالْأَبِ فَمَنْ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ، وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ أَبُوهَا عَرَبِيٌّ، وَأُمُّهَا عَجَمِيَّةٌ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ أَيْضًا، فَتَفْضُلُ الْفُرْسُ عَلَى النَّبَطِ وَبَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى الْقِبْطِ. (وَ) مَا مَنْ تُنْسَبُ (لِقُرَيْشٍ) كُفُؤًا لِغَيْرِ قُرَيْشٍ، وَلَوْ مِنْ الْعَرَبِ لِخَبَرِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقْدُمُوهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ لَكِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّهُمْ أَكْفَاءٌ زَادَ النَّوَوِيُّ قُلْتُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ غَيْرَ كِنَانَةَ لَا يُكَافِئُهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ السُّبْكِيُّ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْآتِي فَحَصَلَ فِي كَوْنِهِمْ أَكْفَاءً وَجْهَانِ

وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُمْ أَكْفَاءٌ وَعَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ خِلَافَهُ فَتَفْضُلُ مُضَرٌ عَلَى رَبِيعَةَ وَعَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقَدَّمَ عَنْهُ نَظِيرُهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ أَضْيَقُ مِنْهُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَلِهَذَا سَوَّوْا بَيْنَ قُرَيْشٍ هُنَاكَ، وَلَمْ يُسَوُّوا بَيْنَهَا هُنَا، وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ قُرَشِيٌّ بِشَرْطِهِ فَكِنَانِيٌّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَجَمِيٌّ، فَإِذَا قَدَّمُوا الْكِنَانِيَّ عَلَى غَيْرِهِ هُنَاكَ، وَلَمْ يُكَافِئُوا بَيْنَهَا فَهُنَا أَوْلَى قَالَ: وَاسْتِدْرَاكُ النَّوَوِيِّ عَلَى الرَّافِعِيِّ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ صَحَّحَ اعْتِبَارَ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونُوا كَالْعَجَمِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ فِيهِمْ كَمَا يَقُولُ الرَّافِعِيُّ بِلَا شَكٍّ

ــ

[حاشية العبادي]

الْبُطْلَانِ؟ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِحَالِهِ لَكِنْ لَا خُصُوصِيَّةَ حِينَئِذٍ لِلْمُزَوَّجَةِ بِالْإِجْبَارِ، إذْ غَيْرُهَا قَدْ تَجْهَلُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ مَهْرُهَا) فَثُبُوتُ الْمَهْرِ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُكَافِئُ النَّفِيسَةَ) أَيْ: صَاحِبُهَا

(قَوْلُهُ: تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهَا) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ جِهَةُ الْبُنُوَّةِ إلَخْ، إذْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ أَعَمُّ مِنْ تِلْكَ الْجِهَاتِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَفْسِيرًا لِلنِّسْبَةِ الْمُنْحَصِرَةِ فِي تِلْكَ الْجِهَاتِ؟ (قَوْلُهُ: فَحَصَلَ فِي كَوْنِهِمْ) أَيْ: غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ: إذَا نَكَحَ بِدُونِ مَهْرٍ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصَّ بِإِبَاحَتِهِ أَنْ يَنْكِحَ بِدُونِ مَهْرٍ

[الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِفِي النِّكَاحِ]

. (قَوْلُهُ: جِهَةُ النُّبُوَّةُ) عِبَارَةُ خ ط عَلَى الْمِنْهَاجِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: شَرَفُ النَّسَبِ مِنْ ثَلَاثَةِ جِهَاتٍ إحْدَاهَا الِانْتِهَاءُ إلَى شَجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ، الثَّانِيَةُ الِانْتِهَاءُ إلَى الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَبِهِمْ رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَالثَّالِثَةُ الِانْتِهَاءُ إلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ الْمَشْهُورِ وَالتَّقْوَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: ٨٢] . (قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ) وَلَا أَثَرَ لَهُ مَعَ الْفِسْقِ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَيْهِ عَارٍ وَتَضْمَحِلُّ مَعَهُ سَائِرُ الْفَضَائِلِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ لَكِنْ الَّذِي اعْتَمَدَ م ر اعْتِبَارَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْفِسْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحِرْفَةِ الشَّرِيفَةِ، فَيُعْتَبَرُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ فَلَا يُكَافِئُ عَالِمَةً فَاسِقَةً فَاسِقٌ غَيْرُ عَالِمٍ. اهـ. م ر وَرَشِيدِيٌّ.

(قَوْلُهُ: إلَّا مَرَّةً) أَيْ: بِحَقٍّ بِأَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا م ر وع ش. (قَوْلُهُ: لِلْعَجَمِيِّ) الْمُرَادُ بِالْعَجَمِيِّ مِنْ لَيْسَ أَبُوهُ عَرَبِيًّا، وَإِنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ وَبِالْعَرَبِيِّ عَكْسُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ شَيْئًا. اهـ بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: عَلَى النَّبَطِ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ التَّرْكُ وَعِبَارَةُ ع ش النَّبَطُ طَائِفَةٌ مَسْكَنُهُمْ شَاطِئُ الْفُرَاتِ. (قَوْلُهُ: فَتَفْضُلُ مُضَرُ إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ غَيْرُ الْأَقْرَبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ كُفْئًا لِلْأَقْرَبِ، فَالْقَحْطَانِيُّ لَيْسَ كُفْئًا لِعَدْنَانِيٍّ، وَالْعَدْنَانِيُّ لَيْسَ كُفْئًا لِرَبِيعِيٍّ، وَالرَّبِيعِيُّ لَيْسَ كُفْئًا لِمُضَرِيٍّ وَالْمُضَرِيُّ لَيْسَ كُفْئًا لِكِنَانِيٍّ وَهَلُمَّ اعْتِبَارًا بِالْأَقْرَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ) مُعْتَمَدٌ بُجَيْرِمِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُسَوُّوا بَيْنَهُمَا هُنَا) لِتَقْدِيمِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>