للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابُ الرَّضَاعِ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَقَائِلُهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي جَوْفِ طِفْلٍ

كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَتَقَدَّمَتْ الْحُرْمَةُ بِهِ كَالنَّسَبِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي بَيَانِ مَا تَحْصُلُ بِهِ وَحُكْمِ عُرُوضِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ مُرْضِعَةٌ وَرَضِيعٌ وَلَبَنٌ وَحُصُولُهُ فِي جَوْفِ طِفْلٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ (حُصُولُ دَرٍّ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَبَنٍ مِنْ امْرَأَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْحَاوِي وَلَوْ بِكْرًا أَوْ خَلِيَّةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ نَائِمَةً بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ (فِي حَيَاتِهَا حُلِبْ) مَثَلًا بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ يُحَرِّمُ النِّكَاحَ كَمَا سَيَأْتِي وَسَوَاءٌ حَصَلَ فِي جَوْفِ الطِّفْلِ بِالِارْتِضَاعِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْإِيجَارِ وَلَوْ نَائِمًا وَسَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْمَرْأَةِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ وَهُوَ مُحْتَرَمٌ وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ لَبَنُ الرَّجُلِ وَلَبَنُ الْخُنْثَى مَا لَمْ تَظْهَرْ أُنُوثَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُخْلَقَا لِغِذَاءِ الْوَلَدِ فَأَشْبَهَا سَائِرَ الْمَائِعَاتِ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ أَثَرُ الْوِلَادَةِ وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّجُلِ الْخُنْثَى وَلَبَنُ الْبَهِيمَةِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ مِنْهُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى لَمْ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ صَلَاحِيَّةَ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ لِضَعْفِ حُرْمَتِهِ بِمَوْتِهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ وَلَبَنُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ لِمَا قَدَّمْته فِي بَابِ الْحَيْضِ بِمَا فِيهِ.

(وَحَاصِلٌ مِنْ دَرِّهَا) كَالزُّبْدِ وَالْأَقِطِ وَالْجُبْنِ يُحَرِّمُ أَيْضًا لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ (وَإِنْ غُلِبْ) أَيْ الدَّرُّ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ بِمَا خُلِطَ بِهِ بِأَنْ زَالَتْ أَوْصَافُهُ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ حِسًّا وَتَقْدِيرًا بِالْأَشَدِّ كَلَبَنٍ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ وَخُبْزٌ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ (إنْ حَصَلَ الْجَمِيعُ فِي مِعْدَةِ حَيْ) وَإِنْ تَقَيَّأَهُ فِي الْحَالِ

ــ

[حاشية العبادي]

لَا يَزِيدُ عَلَى السَّلِيمِ وَهُوَ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُ أَمَتِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ وَطْؤُهُ بِاعْتِرَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَمَعَ الثُّبُوتِ لَا وَجْهَ لِعَدَمِ اللُّحُوقِ كَمَا لَا يَخْفَى سم

(بَابُ الرَّضَاعِ) ذَكَرَهُ عَقِبَ الظِّهَارِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ فِي حَيَاتِهَا حُلِبَ) لَوْ خَرَجَ اللَّبَنُ مِنْ ثَدْيٍ زَائِدٍ فَقِيَاسُ النَّظَائِرِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لَهُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْخُنْثَى) وَقَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْبَهِيمَةِ وَقَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْمَيِّتَةِ وَكَذَا لَبَنُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَعْطُوفٌ عَلَى لَبَنِ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ: عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ) مَا مَعْنَى هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَيِّتَةَ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا إلَّا أَنْ يُرَادَ الْحِلُّ لَهَا وَالْحُرْمَةُ عَلَيْهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حِلٌّ وَلَا حُرْمَةٌ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِمَا لِذَلِكَ فَصَارَتْ كَالْبَهِيمَةِ (قَوْلُهُ: فِي مَعِدَةِ حَيٍّ) وَإِنْ كَانَ الْوُصُولُ إلَيْهَا مِنْ نَحْوِ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْأَقْرَبُ سم

[بَابُ الرَّضَاعِ]

(بَابُ الرَّضَاعِ) (قَوْلُهُ: وَقَائِلُهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ وَفِي م ر وق ل أَنَّهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَمَا بَعْدَهُ شَرْعِيٌّ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ أَمَّا عُمُومُ الشَّرْعِيِّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُمُومُ اللُّغَوِيِّ فَمِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِثَدْيِ غَيْرِ الْمَرْأَةِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ هُوَ هَذَا اللُّغَوِيَّ وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْهُ فِي شَرْحَيْ الْبَهْجَةِ وَالرَّوْضِ بِأَنَّهُ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ الْمُوَافِقِ لِلُّغَةِ. اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَقَائِلُهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ الْمُوَافِقِ لِلُّغَةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ) أَيْ فَيُغْتَفَرُ النَّقْصُ عَنْهَا بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ: حُلِبَ) أَيْ فِي خَمْسِ مَرَّاتٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَصِلَ إلَى جَوْفِهِ فِي خَمْسِ مَرَّاتٍ أَيْضًا وَيَكْفِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ قَدْرُ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ انْفِصَالًا وَوُصُولًا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ: فَرْعُ الْأُمُومَةِ) أَيْ أَوْ الْأُبُوَّةِ كَمَنْ ارْتَضَعَ مِنْ كُلٍّ مِنْ خَمْسِ مُسْتَوْلَدَاتٍ لِرَجُلٍ رَضْعَةً (قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْمَيِّتَةِ) مِثْلُهَا مَنْ وَصَلَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ إنْ كَانَ عَنْ جِرَاحَةٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ مَرَضٍ فَكَالْحَيَّةِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً كَذَا فِي ق ل وَأَطْلَقَ ع ش عَدَمَ الْحُرْمَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ) أَيْ الْحِلِّ لَهَا وَالْحُرْمَةِ عَلَيْهَا وَلَا تَرِدُ الصَّغِيرَةُ لِأَنَّهَا تُنْهَى عَنْ الْمُحَرَّمِ وَيُؤْذَنُ لَهَا فِي غَيْرِهِ بَلْ تُؤْمَرُ وُجُوبًا بِالْعِبَادَاتِ فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمُكَلَّفَةِ ع ش.

(قَوْلُهُ: وَتَقْدِيرًا بِالْأَشَدِّ) بِأَنْ يُقَدَّرَ قَدْرَ اللَّبَنِ شَيْءٌ لَهُ لَوْنٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَقْوَى مَا يُنَاسِبُ لَوْنَ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْخَلِيطِ ثُمَّ إنَّ التَّقْدِيرَ بِالْأَشَدِّ إنَّمَا يَكُونُ إذَا فَارَقَتْ اللَّبَنَ صِفَاتُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الْمِيَاهِ وَمِنْ قَوْلِهِمْ هُنَا فَإِنْ زَايَلَتْ أَيْ فَارَقَتْ اللَّبَنَ الْمُخَالِطَ لِغَيْرِهِ أَوْصَافُهُ اُعْتُبِرَ قَدْرُ اللَّبَنِ بِمَا لَهُ لَوْنٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ يَسْتَوْلِي عَلَى الْخَلِيطِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ يَظْهَرُ فِي الْخَلِيطِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ وَإِلَّا فَلَا وَذَلِكَ إذَا شَرِبَ الْبَعْضَ كَمَا سَيَأْتِي أَمَّا إذَا شَرِبَ الْجَمِيعَ هُنَا فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الشَّرْحِ.

(قَوْلُهُ: إنْ حَصَلَ الْجَمِيعُ فِي مَعِدَةِ حَيٍّ) أَيْ فِي خَمْسِ رَضَعَاتٍ أَوْ كَانَ هُوَ الْخَامِسَةَ م ر، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ وُصُولَ اللَّبَنِ بِمُجَرَّدِهِ لَيْسَ كَافِيًا فِي التَّحْرِيمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ خُصُوصِ اللَّبَنِ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا فِيمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ مَغْلُوبًا لِاحْتِمَالِ خُلُوِّ بَعْضِ الْخَمْسِ عَنْهُ لِانْحِصَارِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّبَنَ بِاخْتِلَاطِهِ صَارَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَانِعِ جُزْءًا مِنْهُ قُلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>