للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» وَصَرَفَهَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ، فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ النِّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْت حِينَ سَمِعْت النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْت، ثُمَّ أَقْبَلْت، فَقَالَ عُمَرُ، وَالْوُضُوءُ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَذَكَرَ نَحْوَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى عُثْمَانَ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَنْفِي أَنَّهُ اغْتَسَلَ قَبْلَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ وَيُجَابُ بِأَنَّ عُمَرَ بَنَى ذَلِكَ عَلَى قَرَائِنَ مِنْهَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ اغْتَسَلَ لَاغْتَسَلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عَطْفِ اسْتِحْبَابِهِ عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ الْمُقَيَّدِ بِبَعْدِ الْفَجْرِ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ وَيُفَارِقُ غُسْلَ الْعِيدِ حَيْثُ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ وَبِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عَنْ التَّكْبِيرِ إلَى الصَّلَاةِ (لَكِنَّهُ) أَيْ: غُسْلَ الْجُمُعَةِ (عِنْدَ الرَّوَاحِ) إلَيْهَا (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ التَّنْظِيفِ وَخَرَجَ بِمُرِيدِهَا غَيْرُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ لِمَفْهُومِ خَبَرِ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ» وَيُفَارِقُ الْعِيدَ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِمُرِيدِهِ بِأَنَّ غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُضَايِقُ فِي هَذَا الْفَرْقِ.

وَلَوْ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَبْطُلْ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ: (وَالتُّرْبُ إنْ يَعْجِزْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (عَنْ الْمَا نُدِبَا) التَّيَمُّمُ بِهِ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ

(مُبَكِّرًا) إلَى الْجُمُعَةِ لِخَبَرَيْ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ، فَالْأَوَّلَ» «، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَيْ: مِثْلَهُ، ثُمَّ رَاحَ أَيْ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ السَّاعَاتِ سِتٌّ قَالَ: فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَا مَرَّ «وَفِي الرَّابِعَةِ بَطَّةً، وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً» . وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا «فِي الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وَالْخَامِسَةِ عُصْفُورًا، وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِسْنَادُ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّتَانِ لِمُخَالَفَتِهِمَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ،

وَالسَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا الشَّمْسِ، وَلَا الزَّوَالِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا وَبِهِ، وَيَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ

ــ

[حاشية العبادي]

يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ تَأَكُّدَ الطَّلَبِ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ: وَخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ إلَخْ.) فِي حَيِّزِ الصَّرْفِ عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَحْرِيمِ السَّفَرِ) ، فَالتَّقْدِيرُ، وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَرَمَنْ سَفَرْ، وَاسْتَحَبُّوا الْغُسْلَا لِمُرِيدِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ التَّنْظِيفِ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ

(قَوْلُهُ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى إلَخْ.) ، وَلَوْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مَثَلًا ثُمَّ خَرَجَ، وَعَادَ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا ضَرَّ، وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا، بِالْمَسْجِدِ، فَهَلْ لَهُ ثَوَابُ الْجَائِي فِي السَّاعَةِ الْأُولَى يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ تَهَيَّأَ لَهَا كَأَنْ اغْتَسَلَ بِقَصْدِهَا، أَوْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِقَصْدِهَا، فَلَهُ ثَوَابُ الْجَائِي فِي الْأُولَى إنْ تَهَيَّأَ فِي الْأُولَى، أَوْ ثَوَابُ الثَّانِيَةِ إنْ تَهَيَّأَ فِيهَا، وَهَكَذَا، وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ هَلْ يُسَاوِي مَا لَهُ مَا لِمَنْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ فِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: مَنَعَ ذَلِكَ) أَيْ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ

ــ

[حاشية الشربيني]

قَوْلُهُ: وَأَنْصَتَ) عَطْفُ مُغَايِرٍ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ إلَخْ) فِيهِ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ (قَوْلُهُ: يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ: بَعْدَ النِّصْفِ الثَّانِي لَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُضَايِقُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) لَعَلَّهُ بِمَا قَالُوهُ إنَّمَا جَازَ غُسْلُ الْعِيدِ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنْظِيفَ مَقْصُودٌ فِيهِ أَيْضًا لِلِاجْتِمَاعِ، وَأَيْضًا الِاجْتِمَاعُ بِالنَّاسِ مَطْلُوبٌ فِيهِ لِلتَّهْنِئَةِ حَرِّرْهُ (قَوْلُهُ: إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ فَنَابَ فِيهِ التَّيَمُّمُ، وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ بِالتَّنْظِيفِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْغُسْلُ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ:، وَمَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ.) هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ الْمَخْصُوصَ إنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ اغْتَسَلَ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَاحَ) أَيْ: قَاصِدًا حُضُورَهُ لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ ق ل (قَوْلُهُ: اسْمٌ لِلْخُرُوجِ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلرُّجُوعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَالْفُقَهَاءُ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الذَّهَابِ، وَفِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ بِمَجَازَيْنِ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ.) فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُجَاوِرِ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ الذَّهَابُ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الذَّهَابُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ اسْتِعَارَةً؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ فِيهِ بَيْنَ الْمَجَازِيِّ، وَمُجَاوِرِ الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْمَجَازِيِّ، وَالْحَقِيقِيِّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُجَاوِرَةَ لِعَدَمِهَا إلَّا بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ، وَمُسَبِّبِ الْمَجَازِيِّ، وَلَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّهُ شَبَّهَ الذَّهَابَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِهِ بَعْدَهُ لِسَبَبِيَّةِ كُلٍّ فِي حُصُولِهَا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>