للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى مَا يَشْتَغِلُ بِهِ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَشِعَارُ الْيَوْمِ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْهُ لَيْلَةَ النَّحْرِ لِلنَّصِّ.

أَمَّا الْحَاجّ، فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ التَّلْبِيَةُ، فَيَشْتَغِلُ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُعْتَمِرُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ.

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْمُرْسَلِ وَيُسَمَّى بِالْمُطْلَقِ أَيْضًا ثَنَّى بِبَيَانِ الْمُقَيَّدِ، فَقَالَ: (وَ) كَبَّرَ (عَقِبَ الصَّلَاةِ) ، وَلَوْ فَائِتَةً، أَوْ نَافِلَةً أَوْ جِنَازَةً، أَوْ مَنْذُورَةً (كُلُّ مُسْلِمِ) حَاجٌّ، أَوْ غَيْرُ مُقِيمٍ، أَوْ مُسَافِرٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى مُنْفَرِدٌ، أَوْ غَيْرُهُ (مِنْ ظُهْرِ) يَوْمِ (نَحْرٍ لِانْقِضَا) أَيْ: إلَى انْقِضَاءِ أَدَاءِ (خَمْسَ عَشَرْ فَرْضًا) مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَيَخْتِمُ بِصُبْحٍ آخَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَمَّا كَوْنُ ابْتِدَاءِ الْحَجِّ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ؛ فَلِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ خَتْمِهِ بِصُبْحٍ آخَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ فَلِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا بِمِنًى وَقِيسَ بِالْحَاجِّ غَيْرُهُ فِي الْأَمْرَيْنِ كَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّاظِمُ كَأَصْلِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ: لَكِنَّهُ اخْتَارَ فِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْحَاجِّ يُكَبِّرُ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَصَحَّحَهُ فِي الْأَذْكَارِ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ:، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِلْحَدِيثِ يَعْنِي: الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ فِيهِ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ: وَصَحَّ فِعْلُهُ مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، فَجُمْلَةُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُكَبِّرُ خَلْفَهَا غَيْرُ الْحَاجِّ عَلَى هَذَا ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَوْ خَالَفَ اعْتِقَادُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومَ، فَكَبَّرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَى التَّكْبِيرَ فِيهِ، أَوْ عَكْسُهُ، فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الصَّلَاةِ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ بِالسَّلَامِ، وَلَا يُكَبِّرُ عَقِبَ فَائِتِ هَذِهِ الْأَيَّامِ إذَا قَضَاهُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُهَا وَقَدْ فَاتَتْ وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ هُوَ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ، وَيَجْعَلُهُ شِعَارًا، أَمَّا لَوْ اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ، فَلَا مَنْعَ مِنْهُ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ (وَإِنْ يَنْسَ) التَّكْبِيرَ عَقِبَ الصَّلَاةِ (يُكَبِّرْ إذْ ذَكَرْ) أَيْ:

ــ

[حاشية العبادي]

عِنْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي التَّحَرُّمِ يُطْلَبُ التَّكْبِيرُ مِنْ غَيْرِهِ إلَى تَمَامِهِ، وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ فِي حَقِّ قَرِيبٍ مِنْهُ يُرِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لَيْلَةَ النَّحْرِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْيِيدَ، بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْإِحْرَامِ، بِالْحَجِّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ

(قَوْلُهُ: وَكَبَّرَ عَقِبَ الصَّلَاةِ) (فَرْعٌ)

لَوْ جَمَعَ صَلَاتَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَكْبِيرٌ، فَإِنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ بَعْدَهُمَا عَلَى تَكْبِيرٍ، وَاحِدٍ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا لَوْ طَافَ أَسَابِيعَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: فَيَخْتِمُ، بِصُبْحٍ آخَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) ، وَإِنْ نَفَرَ الْحَاجُّ قَبْلُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، بِمِنًى أَصْلًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلُّونَهَا، بِمِنًى؛ لِأَنَّهُ، بِاعْتِبَارِ الْأَفْضَلِ لَهُمْ مِنْ الْبَقَاءِ بِهَا إلَى النَّفْرِ الثَّانِي، وَتَأْخِيرِ الظُّهْرِ إلَى الْمُحَصَّبِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: انْتِهَاءُ وَقْتِ التَّلْبِيَةِ) أَيْ: بِاعْتِبَارِ وَقْتِ تَحَلُّلِهِ الْأَفْضَلِ، وَهُوَ الضُّحَى، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الصُّبْحِ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الظُّهْرِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ خِلَافًا لِمَنْ أَنَاطَهُ، بِوُجُودِ التَّحَلُّلِ، وَلَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ إذْ يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُهُ، بِتَأْخِيرِ التَّحَلُّلِ عَنْ الظُّهْرِ، وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ نَفْلًا، أَوْ فَرْضًا كَبَّرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: غَيْرُهَا تَابِعٌ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا حَجَرٌ (قَوْلُهُ: يُصَلِّيهَا، بِمِنًى) لِمَ أُنِيطَ حُكْمُهُ، بِمِنًى (قَوْلُهُ: إنَّ غَيْرَ الْحَاجِّ إلَخْ) ، وَشَمِلَ غَيْرَ الْحَاجِّ الْمُعْتَمِرِ، فَيُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ التَّلْبِيَةَ إلَّا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَخْ.) الْأَوْجَهُ دُخُولُ، وَقْتِ التَّكْبِيرِ، بِفَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى غُرُوبِ شَمْسٍ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الصُّبْحَ كَأَنْ قَضَى، فَائِتَةً قَبْلَهُ، وَإِنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ، وَقْتُهُ، بِغُرُوبِ شَمْسٍ آخَرَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالذَّبْحِ، وَمَنْ عَبَّرَ، بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقَدْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُهَا) أَيْ: هَذِهِ

ــ

[حاشية الشربيني]

اهـ. بج.

وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَبْلَهُ مُنْفَرِدًا يُكَبِّرُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ إحْرَامِ الْإِمَامِ، وَفِي كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِإِحْرَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى تَمَامِ التَّحَرُّمِ) أَيْ: إلَى انْتِهَائِهِ. اهـ. عَمِيرَةُ، وَعِبَارَةُ جَرّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ إلَى نُطْقِ الْإِمَامِ بِالرَّاءِ مِنْ أَكْبَرُ، وَشَرْحُ الرَّوْضِ كَالشَّرْحِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّكْبِيرُ لَيْلَةَ النَّحْرِ) ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ لَهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إنْ تَحَلَّلَ فِيهِ، وَإِلَّا فَمِنْ وَقْتِ تَحَلُّلِهِ فَالْعِبْرَةُ بِهِ سَوَاءٌ قَدَّمَهُ، أَوْ أَخَّرَهُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ شَيْخِنَا فَغَايَةُ مَا يَقَعُ فِيهِ التَّكْبِيرُ لَهُ مِنْ الْفَرَائِضِ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ بِمِنًى إذْ السُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ رَاكِبًا، وَيُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى الْمُحَصَّبِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ رَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ. اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ، وَقَوْلُهُ: فَالْعِبْرَةُ بِهِ أَيْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ) عِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَيُكَبِّرُ الْمُعْتَمِرُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ طَوَافٍ أَوْ سَعْيٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ.

[فَرْعٌ الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرُ خُطَبٍ]

(قَوْلُهُ: حَاجٌّ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَاسِكَ تَنْقَضِي ضَحْوَةَ يَوْمِ النَّحْرِ بِالرَّمْيِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠] إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهَا إلَخْ.) تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَنْ ق ل (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ إلَخْ.) ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْضًا لَكِنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ فِيهِ رَاكِبًا، وَيُؤَخِّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ الْمُحَصَّبَ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَاجَّ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] لَكِنْ لَوْ نَفَر النَّفْرَ الْأَوَّلَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ يُكَبِّرُ إلَى الصُّبْحِ الْمَذْكُورِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. اهـ. عَمِيرَةُ أَقُولُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِنَا حَجَرٍ، وَالْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الصُّبْحَ آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا بِمِنًى إذْ السُّنَّةُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى الْمُحَصَّبِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَدْبِ ذَلِكَ بَيْنَ تَقْدِيمِ التَّحْلِيلِ عَلَى الصُّبْحِ، وَتَأْخِيرِهِ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عَقِبَهَا؛ لِأَنَّ شِعَارَهُ حِينَئِذٍ التَّلْبِيَةُ، وَلَا بَيْنَ الْمُقِيمِ بِمِنًى، وَغَيْرِهِ، وَمَنْ نَفَر النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَغَيْرَهُ. اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَنْسَى إلَخْ.) النِّسْيَانُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ التَّرْكُ عَمْدًا فَلَا يَفُوتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>