للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ يَعُدُّ أَهْلُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَأَعْطَى عَشَرَةً فِي عَشَرَةِ أَيَّامًا أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ وَيَصْدُقُ ذَلِكَ أَيْضًا لُغَةً فَإِنَّ مُسَمَّى إعْطَائِهِ الْعَشَرَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ الثَّانِي أَنَّ جَعْلَ عَدَمِهَا شَرْطًا تَارَةً يَكُونُ بِلَمْ وَتَارَةً يَكُونُ بِلَمَّا الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمَاضِي أَوْ بِمَا وَلَيْسَ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْحَالِ أَوْ بِلَا وَلَنْ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ فَنُسَلِّمُ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مُسَمَّى الْعَدَمِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ أَمَّا لَا وَلَنْ فَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ لِعُمُومِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنَّ لَنْ أَبْلَغُ فِي عُمُومِ النَّفْيِ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا قُلْنَا {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: ١٣] وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] عَامٌّ فِي سَلْبِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالرُّؤْيَةِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّ جَعْلَ الْمُعَلِّقِ لِلشَّرْطِ عَدَمَهَا بِصِيغَةِ لَنْ أَوْ لَا كَانَ الشَّرْطُ اسْتِغْرَاقَ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْعُمُرِ أَوْ الزَّمَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعَلِّقُ لَا مُطْلَقَ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ خِلَافًا لَهُ فَتَخْرُجُ لَا وَلَنْ عَنْ دَعْوَاهُ مَعَ أَنَّ لَمْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ: إنْ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَنْتَ مَذْمُومٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اسْتِيعَابُ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ السَّنَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي آخِرِ السَّنَةِ صَدَقَ حُصُولُ قِرَاءَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا.

(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا وَطُولُ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا اسْتِثْنَاءٌ وَأَنَّ هِيَ النَّاصِبَةَ لَا الشَّرْطِيَّةَ وَلَا يُتَفَطَّنُ أَيْضًا لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ.

وَالْجَوَابُ أَنْ تَقُولَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ أَنَّ النَّاصِبَةَ وَعَامِلَةٌ فِيهَا أَعْنِي الْحَالُ عَامِلَةٌ فِي أَنَّ النَّاصِبَةَ وَتَقْدِيرُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ثُمَّ حُذِفَتْ مُعَلَّقًا وَالْبَاءُ مِنْ أَنَّ وَهِيَ تُحْذَفُ مَعَهَا كَثِيرًا فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرِ قَدْ حَصَرْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّحْرِيمِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: ٢٣] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٤] وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَ: فِيهَا مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ بِهِ يَصِحُّ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْعِ كَذَلِكَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالْمَوْجُودِ الْحَاصِلِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَالُ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَافْهَمْ.

(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً تُوَضِّحُ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى جَعْلُ الشَّرْطِ وَجِزَائِهِ مَاضِيَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: ١١٦] جَازَ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ تَعَلُّقِ إنَّ بِالْمَاضِي فَلَا تَحْتَاجُ الْآيَةُ إلَى أَنْ يَدَّعِيَ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَعَ فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظَيْ إذْ وَقَالَ الْمَاضِيَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: ١١٦] وَثَانِيًا أَنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ أَكُنْ أَقُولُهُ فَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَهُمَا مُسْتَقْبَلَانِ لَا مَاضِيَانِ أَوْ يُقَالُ الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي عَلَى حَدٍّ قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] لِأَنَّ خَبَرَهُ تَعَالَى الْوَاقِعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ فَيَجِبُ كَمَا قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ تَأْوِيلُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِفِعْلَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا إنْ يَثْبُتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنِّي قُلْتُهُ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ أَنَّك تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَرَّرَ فِي الْمَاضِي كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعْلُومًا فَيَحْسُنُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ خَاصَّةً وَمَا تَوَهَّمُوهُ فِيهَا مِنْ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ نَحْوَ لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ عَادَا نَفْيَيْنِ فَمَا جَاءَ زَيْدٌ وَلَا أَكْرَمُ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ نَحْوَ لَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالِبْ عَادَا ثُبُوتَيْنِ فَقَدْ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ نَحْوَ لَوْ لَمْ يُؤْمِنَ أُرِيقَ دَمُهُ أَوْ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ كَانَ النَّفْيُ ثُبُوتًا وَالثُّبُوتُ نَفْيًا فَفِي الْأَوَّلِ آمَنَ وَلَمْ يُرَقْ دَمُهُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يُؤْمِنْ فَقُتِلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: ٢٧] وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ فَلَا تَقْتَضِي أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ فَلَا دَاعِيَ إلَى مَا قَالُوهُ فِي الْآيَةِ مِنْ التَّكَلُّفَاتِ فَافْهَمْ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فِي كَوْنِهِمَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ سَوَاءً كَانَ مَا دَخَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>