للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ الْعُرْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَسْتَتِرَ عَوْرَتِي عَنْ الْأَبْصَارِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «الْخَلَائِقَ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِهِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إذَا قَبَضْتَنِي إلَيْك وَأَمَتَّنِي فَلَا تُحْيِيَنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُجُوعُ الْأَرْوَاحِ إلَى الْأَجْسَادِ «إنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ أَنْعِلَةِ الْمُنْصَرِفِينَ» ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَتْلَى بَدْرٍ «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمْ إجْمَاعًا فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْآحَادِ لَا يَكُونُ كُفْرًا

(الْقِسْمُ السَّادِسُ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ:

(الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ غَمِّهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: ٥] لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَفَتَ إلَى الْأَفْعَالِ دُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ مَعْمُولَاتِهَا وَالْمَعْمُولَاتُ فِي الْآيَتَيْنِ لَفْظًا عُمُومٌ. قَالَ (الْمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ الْعُرْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَسْتَتِرَ عَوْرَتِي عَنْ الْأَبْصَارِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ إنَّ «الْخَلَائِقَ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِهِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً. الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إذَا قَبَضْتنِي إلَيْك وَأَمَتّنِي فَلَا تُحْيِنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُجُوعُ الْأَرْوَاحِ إلَى الْأَجْسَادِ «وَأَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ أَنْعِلَةِ الْمُنْصَرِفِينَ» ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى بَدْرٍ «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمْ إجْمَاعًا فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْآحَادِ لَا يَكُونُ كُفْرًا)

قُلْت هَذَانِ الْمِثَالَانِ مِنْ الطِّرَازِ الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ دَعْوَى، وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَدْعُوَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ؟ لَا أَعْرِفُ لِذَلِكَ وَجْهًا وَلَا دَلِيلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ مِنْ الدُّعَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ غَمِّهَا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَقَدْ تَقَعُ وَالْإِنْكَارُ الْقَلْبِيُّ لَا يُؤَثِّرُ إزَالَةً أَلْبَتَّةَ، أَوْ يُلَاحَظُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْإِزَالَةِ فَيَبْقَى الْإِيمَانُ اهـ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ: وَمَعْنَى ضَعْفِهِ دَلَالَتُهُ عَلَى غَرَابَةِ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِ انْتِظَامِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا اهـ يُرِيدُ أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الْحَدِيثِ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ وَالْمُرَادُ بِضَعْفِهِ ضَعْفُهُ فِي زَمَنِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقَوْلِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» لَا ضَعْفُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُنْكِرِ بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ

(وَصْلٌ) فِي خَمْسِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَكْمُلُ بِهَا الْفَرْقُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

يَأْمُرُ الْوَلَدُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَخْفِضُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسُهُ عَاصِيًا]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسُهُ عَاصِيًا بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسًا لِمَفْسَدَةٍ وَاجِبَةِ الدَّفْعِ أَوْ تَارِكًا لِمَصْلَحَةٍ وَاجِبَةِ الْحُصُولِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا أَمْرُ الْجَاهِلِ بِمَعْرُوفٍ لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَهُ كَنَهْيِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أُمَمَهَا أَوَّلَ بَعْثَتِهَا وَمِنْهَا قِتَالُ الْبُغَاةِ وَهُمْ عَلَى تَأْوِيلٍ وَمِنْهَا ضَرْبُ الصِّبْيَانِ عَلَى مُلَابَسَةِ الْفَوَاحِشِ وَمِنْهَا قَتْلُ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ إذَا صَالُوا عَلَى الدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ وَلَمْ يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ إلَّا بِقَتْلِهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يَعْفُوَ وَيُخْبِرَ فَاسِقٌ أَوْ مُتَّهَمٌ الْوَكِيلَ بِالْعَفْوِ فَلَا يُصَدِّقُهُ فَلِلْفَاسِقِ أَوْ الْمُتَّهَمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ الْقِصَاصِ إذًا دَفْعًا بِالْقَتْلِ الْوَارِدَةِ لِمَفْسَدَةِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنْهَا أَنْ يُوَكِّلَ سَيِّدُ الْجَارِيَةِ وَكِيلًا فِي بَيْعِهَا فَيَبِيعَهَا وَيُخْبِرَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْوَكِيلِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَيُرِيدُ وَطْأَهَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَبِعْهَا فَلِلْمُشْتَرِي دَفْعُهُ وَلَوْ بِالْقَتْلِ، وَمِنْهَا ضَرْبُ الْبَهَائِمِ لِلتَّعْلِيمِ وَالرِّيَاضَةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الشِّمَاسِ وَالْجِمَاحِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَنْ يَرَى جَمَاعَةً تَرَكُوا الصَّلَاةَ فَيَأْمُرُهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُومُوا لِلصَّلَاةِ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ]

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْمُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ إنْ رَأَيْنَا مَنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَهِكٌ لِلْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِهِ فَإِنْ رَأَيْنَاهُ مُعْتَقِدًا تَحْلِيلَهُ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاصٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْمُوجِبَةَ لِإِبَاحَةِ الْإِنْكَارِ لَمْ تَتَعَيَّنْ نَعَمْ إنْ كَانَ مَدْرَكُ الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ ضَعِيفًا جِدًّا يَنْقُصُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ كَوَاطِئِ الْجَارِيَةِ بِالْإِبَاحَةِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ عَطَاءٍ وَشَارِبِ النَّبِيذِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>