للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلْكِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ عَدْلِهِ وَفَضْلِهِ فَمَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ فَبِعَدْلِهِ وَمَنْ نَجَا فَبِفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، وَفَضْلُهُ مِنْ شَأْنِهِ وَنِسْبَتُهُمَا إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَزِيدُهُ الْإِحْسَانُ جَلَالًا وَعَظَمَةً وَلَا يُنْقِصُ الْعَدْلُ مِنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ بَلْ الْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَكِلَاهُمَا شَأْنُهُ فَمَنْ دَعَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَقَدْ سَأَلَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ بِهِ إمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ أَوْ يُؤَاخِذَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ هَذَا فِيهِ إظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمُ الِافْتِقَارِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدَّاعِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ الْخَيْرِ الْجَزِيلِ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَأَعْظِمُوا الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ وَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ تَعَالَى فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» ، فَإِنْ عَرِيَتْ نَفْسُ الدَّاعِي عَنْ نِيَّةِ تَعْظِيمِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْخَيْرِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَهَبَ التَّحْرِيمُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ كُلُّ ذَلِكَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلْكِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ عَدْلِهِ وَفَضْلِهِ فَمَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ فَبِعَدْلِهِ وَمَنْ نَجَا فَبِفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلُهُ مِنْ شَأْنِهِ وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَزِيدُهُ الْإِحْسَانُ جَلَالًا وَعَظَمَةً وَلَا يُنْقِصُ الْعَدْلُ مِنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ بَلْ الْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَكِلَاهُمَا شَأْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَمَنْ دَعَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ بِهِ إمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ أَوْ يُؤَاخِذَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ هَذَا فِيهِ إظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمُ الِافْتِقَارِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدَّاعِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ الْخَيْرِ الْجَزِيلِ، وَلَا يَقْتَصِرُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَأَعْظِمُوا الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ وَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» ، فَإِنْ عَرِيَتْ نَفْسُ الدَّاعِي عَنْ نِيَّةِ تَعْظِيمِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْخَيْرِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَهَبَ التَّحْرِيمُ) قُلْت

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

عَلَى نَفْيِهِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ خَلِّدْ فُلَانًا الْمُسْلِمَ عَدُوِّي فِي النَّارِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الطلاق: ١١] وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ أَحْيِنِي أَبَدًا حَتَّى أَسْلَمَ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمَوْتِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ إبْلِيسَ مُحِبًّا نَاصِحًا لِي وَلِبَنِي آدَمَ أَبَدَ الدَّهْرِ حَتَّى يَقِلَّ الْفَسَادُ وَتَسْتَرِيحَ الْعِبَادُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦] (وَلَا يَخْفَاك) أَنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ طَلَبُ التَّكْذِيبِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ طَلَبَ مُسْتَحِيلٍ إلَّا أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي طَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ عَقْلًا وَلَا مُمْتَنِعٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِتَجْوِيزِ التَّكْذِيبِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ طَلَبَهُ إلَّا أَنَّ تَجْوِيزَ التَّكْذِيبِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّكْذِيبَ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مُقْتَضَى لَفْظِ التَّكْذِيبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَكْذِيبُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لِعَمْرٍو وَلَا مُجَوِّزًا لِكَذِبِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ بِلَفْظِ التَّكْذِيبِ الْكَذِبَ لَمْ يَلْزَمْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لَهُ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُجَوِّزًا لِوُقُوعِ الْكَذِبِ مِنْهُ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ لَا عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ إنَّمَا يَكُونُ تَكْفِيرُ مَنْ يَلْزَمُ مِنْ دُعَائِهِ ذَلِكَ تَكْفِيرًا بِالْمَآلِ، وَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ الْأَصْلُ عَدَمَ التَّكْفِيرِ، فَجَزْمُهُ هُنَا بِتَكْفِيرِ الدَّاعِي بِمَا فِي مِثْلِ الْقِسْمَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْمَآلِ وَيَقُولُ إنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْأَصْلِ.

[الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ]

(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِإِجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَ عِلْمِهِ أَوْ عَالَمِيَّتِهِ الْقَدِيمَةِ حَتَّى يَسْتَتِرَ الْعَبْدُ فِي قَبَائِحِهِ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ اطِّلَاعِ رَبِّهِ عَلَى فَضَائِحِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى وُجُوبِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى أَزَلًا وَأَبَدًا، وَمِنْهَا أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ سُوءَ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ.

[الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ]

(وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِإِجْلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ لِيَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَعْظُمَ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْأَلَهُ تَعَالَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>