للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ السَّمَاسِرَةِ فِي الْأَسْوَاقِ عِنْدَ افْتِتَاحِ النِّدَاءِ عَلَى السِّلَعِ كَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ. قَالَ مَالِكٌ كَمْ يَقُولُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الدُّعَاءِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ وَكَمَا يَقُولُ الْمُتَحَدِّثُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ مَا أَقْوَى فَرَسِ فُلَانٍ أَبْلَاهَا اللَّهُ بَدَنِيَّة أَوْ سُبْع وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَلَا يُرِيدُونَ شَيْئًا مِنْ حَقِيقَتِهِ فَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَقَالَ كُلُّ مَا يُشْرَعُ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّلَاعُبِ، فَإِنْ قُلْت قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ نَحْوًا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَيْ إظْهَارُهَا وَالتَّحَدُّثَ بِهَا عَلَى حَدِّ {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١] اهـ وَهَذَا مُنَافٍ جَمِيعَ مَوَاطِنِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَافْهَمْ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَسَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي» الْحَدِيثَ أَيْ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مُشْعِرٌ بِالْمَدْحِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ اخْتِصَاصُهَا بِذَلِكَ الرَّفْعِ وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ لِقَرِينَةِ الْمَدْحِ وَيَكُونُ هُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَهُ الْمَوْرِدُ كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ مِنْ قَوْلِهِمْ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا} [آل عمران: ١٩٤] إلَخْ عَلَى دَعْوَى الشِّهَابِ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَعْصِيَةٌ وَيَكُونُ مَا أَطَالَ بِهِ الشِّهَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ بَاطِلٌ وَعَلَى تَسْلِيمِ جَوَابِهِ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ مِنْ إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ فِي سِيَاقِ مَدْحِهِمْ لَا ذَمِّهِمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: ٤٧] إلَخْ يَبْقَى هُوَ مُطَالَبًا بِدَلِيلِ الْمَنْعِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ اهـ كَلَامَ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَصَرُّفٍ.

[الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ]

(وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ جَعَلَ اللَّهُ مَوْتَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِك حِجَابًا مِنْ النَّارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ لِي سَنَةً، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِي كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ. قَالَ الْأَصْلُ: فَالدُّعَاءُ بِهَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الثَّلَاثَةِ وَنَظَائِرِهَا مَعْصِيَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ «مَنْ مَاتَ لَهُ اثْنَانِ مِنْ الْوَلَدِ كَانَا حِجَابًا لَهُ مِنْ النَّارِ» ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَصَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً» ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الصَّلَاةُ إلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» قَالَ وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا بِأَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِقَوْلِنَا اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته إنَّك لَا تُخْلِفْ الْمِيعَادَ مَعَ إنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «الْوَسِيلَةَ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لِعَبْدٍ صَالِحٍ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ إيَّاهُ وَأَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ» ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أُعْطِيهَا فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا إبَاحَةُ الدُّعَاءِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ وَإِمَّا الْإِشْكَالُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهِ أُعْطِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَدْفَعُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ أَنَّهُ أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْتَبَةً عَلَى دُعَائِنَا وَأَعْلَمَ أَنَّ دُعَاءَنَا يُحَصِّلُ لَهُ ذَلِكَ فَحَسُنَ أَمْرُنَا بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَحَسُنَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمَ بِوُقُوعِ سَبَبِ حُصُولِهَا وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِحُصُولِ شَيْءٍ قَدْ عُلِمَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ دُعَائِنَا. اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ جَوَابَهُ هَذَا عَمَّا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا بِأَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِمَا ذَكَرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَعْلُومِ الْحُصُولَ مَمْنُوعٌ وَذَلِكَ هُوَ عَيْنُ دَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ أَتَى بِهَا عَلَى أَنَّهُ يَتَّجِهُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ دُعَاءُ الدَّاعِي بِهَا بِتَحْسِينِ عَاقِبَتِهِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ اهـ. قُلْت بَلْ يَتَّجِهُ فِي جَمِيعِ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ أَنَّ مِنْ الدُّعَاءِ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مِنْ قَبِيلِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ أَيْ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ.

[الْقِسْمُ الْخَامِسُ فِي الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى ثُبُوتِهِ]

(وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ الْعُرْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَسْتَتِرَ عَوْرَتِي عَنْ الْأَبْصَارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إذَا قَبَضْتنِي إلَيْك وَأَمَتَّنِي فَلَا تُحْيِنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ. قَالَ الْأَصْلُ: فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الثَّلَاثَةِ وَأَمْثَالِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِتَكْذِيبِ حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحَةِ وَالْوَارِدَةِ بِطَرِيقِ الْآحَادِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً لَا كُفْرًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إنَّمَا يَكُونُ بِجَحْدِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَبِغَيْرِ شَفَاعَةٍ وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ فَلَوْ غُفِرَ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ذُنُوبُهُمْ كُلُّهَا لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ النَّارَ وَمَا عُدَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَنْ يَقُولَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ فِيهِ رَدٌّ عَلَى النُّبُوَّةِ حَيْثُ أَرَادَ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَشَرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا طَلَبَهُ.

وَكَذَا إنْ أَرَادَ مَغْفِرَةَ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ وَشَرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مُرِيدًا فِي حَقِّهِمْ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَصَحَّ التَّعْمِيمُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>