للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَلْ إنَّمَا يُفْهَمُ الْجُزْئِيُّ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللَّفْظِ فَإِذَا قُلْنَا: فِي الدَّارِ جِسْمٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَيَوَانٌ.

وَإِذَا قُلْنَا: فِيهَا حَيَوَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْسَانٌ وَإِذَا قُلْنَا: فِيهَا إنْسَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ وَإِذَا قُلْنَا: فِيهَا مُؤْمِنٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ زَيْدٌ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ لَا تَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ أَمَّا إذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى أَقَلِّ الْأَجْزَاءِ فَقَدْ خَالَفْنَا اللَّفْظَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ وَمَا أَتَيْنَا بِهِ وَمُخَالَفَةُ لَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى صُومُوا رَمَضَانَ فَمَنْ عَمَدَ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّ أَجْزَائِهِ فَقَدْ خَالَفَ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِقُوا رَقَبَةً فَعَمَدْنَا إلَى رَقَبَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً وَتَرَكْنَا الرَّقَبَةَ الَّتِي تُسَاوِي أَلْفًا لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِلَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يُخَرِّجُ الْخِلَافَ فِي غَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَشَفَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ جُمْلَتِهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ هَذَا اقْتِصَارٌ عَلَى جُزْءٍ لَا جُزْئِيٍّ فَهُوَ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ هُوَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَوْ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إلَى الْإِبْطَيْنِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَإِنَّ الْكُوعَ جُزْءُ الْيَدِ لَا جُزْئِيٌّ مِنْهَا فَكَانَ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْ التَّخْرِيجِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

أَجْزَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمُثْبَتِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ التِّسْعَةَ عَشَرَ الْمَوْجُودَةَ دُونَ الدِّينَارِ لَيْسَتْ جُزْءًا وَلَا أَجْزَاءَ النِّصَابِ حَقِيقَةً بَلْ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ.

قَالَ: (وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَى قَوْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ زَيْدٌ) قُلْتُ: مُرَادُهُ جُزْءُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ لَا تَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ) قُلْتُ: بَلْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَفْظِهِ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ لَا يُفِيدُهُ مَقْصُودُهُ وَكَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا.

(قَالَ: أَمَّا إذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى أَقَلِّ الْأَجْزَاءِ فَقَدْ خَالَفْنَا اللَّفْظَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ وَمَا أَتَيْنَا بِهِ إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ خَالَفَ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.

قَالَ: (بِخِلَافِ إذَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: اعْتِقُوا رَقَبَةً فَعَمَدْنَا إلَى رَقَبَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً وَتَرَكْنَا الرَّقَبَةَ الَّتِي تُسَاوِي أَلْفًا لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِلَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فِي الْمِثَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِثَالًا لِمَا قَصَدَ فَإِنَّهُ قَصَدَ تَمْثِيلَ الْكُلِّيِّ وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ الْمُنْكَرَةُ مِنْ الْكُلِّيِّ بَلْ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ مِنْ ذَلِكَ بِمِثَالِهِ الَّذِي مَثَّلَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْكُلِّيِّ الْمُطْلَقَ فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْأُصُولِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ.

قَالَ: (وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يُخَرِّجُ الْخِلَافَ فِي غَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَشَفَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جُمْلَتِهِ عَلَى هَذِهِ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ اهـ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ وَالثَّانِي بِعَدَمِ الْإِصْرَارِ فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ أَيْ تَوْبَةٍ بِشُرُوطِهَا وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ.

[ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً]

وَضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً هُوَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِالْفَاعِلِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا كَمَا إذَا حَصَلَ مِنْ تَكَرُّرِهَا ذَلِكَ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَمِنْهَا مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَيَكُونُ تَكَرُّرُ فِعْلِهَا بِمَحْضَرِهِمْ كَذَلِكَ قَادِحًا فِي الشَّهَادَةِ لِكَوْنِ فِعْلِهَا حِينَئِذٍ مَعْصِيَةً لَاحِقَةً بِسَائِرِ الْمَعَاصِي وَمِنْهَا مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَتَكُونُ مُشْعِرَةً بِخَلَلٍ حَدَثَ فِي عَقْلِ فَاعِلِهَا فَتَقْدَحُ فِي الضَّبْطِ لَا فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ خَلَلَ الْعَقْلِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ قِلَّةُ الضَّبْطِ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْمُقْرِي: شَهِدْت الشَّمْسُ ابْنَ الْقَيِّمِ مُقَيِّمَ الْحَنَابِلَةِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ» كَيْفَ إنْ أَتَى بَعْدَهَا بِكَبِيرَةٍ فَقَالَ: مَوْتُ الْوَلَدِ حِجَابٌ وَالْكَبِيرَةُ خَرْقٌ لِذَلِكَ الْحِجَابِ.

وَإِنَّمَا يَحْجُبُ الْحِجَابُ إذْ لَمْ يُخْرَقْ فَإِذَا خُرِقَ لَمْ يَكُنْ حِجَابًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا اهـ نَقَلَهُ التَّنْبَكْتِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الدِّيبَاجِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ فَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَصْلَ الْكَبَائِرِ الْجُرْأَةُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْ الْمَعَاصِي مُقْتَضِيًا الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ نَصًّا مِنْ نَحْوِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَجَحْدِ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَجَحْدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَنَحْوِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَجَحْدِ الْبَعْثِ أَوْ النُّبُوَّاتِ أَوْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ أَوْ لَا يُرِيدُ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَضِيَّةُ إبْلِيسَ فَإِنَّ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الشَّرْعِ هُوَ أَنَّ كُفْرَهُ إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْجَوْرَ وَتَكَبُّرِهِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاعْتِقَادِهِ كَوْنِهِ خَيْرًا مِنْهُ وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنَّ كُلَّ عَاصٍ وَكُلَّ مُتَكَبِّرٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>