للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) فَتَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَجَالِسُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعُ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَوْ حَاوَلَ أَنْ يُؤَاجِرَ بَيْتَ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يُسَكِّنَ غَيْرَهُ أَوْ يُعَاوِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُعَاوَضَاتِ امْتَنَعَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُ وَأَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُسَكِّنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَهُ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ حَسْبَمَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ أَوْ أَشْهَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ فَمَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ بِمُدَّةٍ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِلْكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ يَتَصَرَّفُ كَمَا يَشَاءُ بِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ السَّائِغَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ تَمْلِيكُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ كَتَمْلِيكِ الرِّقَابِ. وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) النِّكَاحُ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ أَنْ يَنْتَفِعَ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَا لِبُضْعِ الْمَرْأَةِ بَلْ مُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ هُوَ خَاصَّةً لَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)

الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ بَلْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُهْمِلَهُ أَوْ يَعْزِلَهُ فَهِيَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لِهَذَا الْفَرْقِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فِيمَا بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ إنْ لَمْ تُحْمَلْ الْكَرَاهَةُ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

وَفِي إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمِيقَاتَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ غَيْرِهَا وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ اهـ وَلَا يَخْفَاك أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ مِنْ حَمْلِ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِ الْأَفْضَلِ أَيْضًا بَيْنَ خِلَافِ الْأَفْضَلِ وَالْمَنْعِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى طُولِ زَمَانِ الْحَجِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحْلَالُ حَتَّى تُقْضَى أَيَّامُ الرَّمْيِ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا طُولُ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى إفْسَادِهِ كَمَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرَى الْإِحْرَامَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا لَا يَرَى أَحَدٌ الْإِحْرَامَ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِهَا وَبَيْنَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ يَقُولَانِ بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مُعْضِلَةٌ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْبَيَانَ فِيهَا وَأَوْضَحْنَا لُبَابَهُ فِي كِتَابِ التَّلْخِيصِ وَأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا دَائِرٌ مِنْ قَبْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ مِنْ الْحَجِّ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِهِ وَمِعْوَلُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُنَاكَ تَبَيَّنَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ النَّظَرَيْنِ وَظَهَرَ أَوَّلُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ الْحَجُّ حَجُّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ وَقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَقْدِيرَهَا أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. اهـ.

وَكَذَلِكَ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بَيْنَ الْحَجِّ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُلْزَمُ الْمُقَدِّمُ لَهُ بِإِعَادَتِهِ وَاعْتِقَادِ وُجُوبِهِ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ أَمْرٌ مُسْتَصْحِبٌ بِحَيْثُ لَا يُزَالُ حُكْمُهُ مُنْسَحِبًا عَلَى الْحَاجِّ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ حَجِّهِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِعْلُهَا إلَّا فِي وَقْتِهِ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَصْحِبٌ كَذَلِكَ يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ وَإِحْرَامُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَيُخَصِّصُهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا يُخَصِّصُهَا) اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاضِعِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهُوَ مَا وَضَعَهَا وَاضِعُ اللُّغَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَنْ أَحْدَثَ وَضْعَهَا التَّحْقِيقِيَّ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا ذَلِكَ وَمَنْ قَرَّرَهَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَالدَّابَّةِ لِكُلِّ مَا دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالصَّلَاةِ لِلدُّعَاءِ وَالْفِعْلِ لِلْأَمْرِ وَالشَّأْنِ لَا لِلْحَدَثِ كَمَا يُتَوَهَّمُ الثَّانِي الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ مَا وَصَفَهَا الشَّارِعُ كَالصَّلَاةِ نَقَلَهَا الشَّارِعُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ الثَّالِثُ الْعُرْفِيَّةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ مَا وَضَعَهَا أَهْلُ عُرْفٍ خَاصٍّ وَهُمْ طَائِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ مَنْسُوبُونَ لِحِرْفَةٍ كَالنَّحْوِيِّينَ نَقَلُوا الْفِعْلَ مَثَلًا مِنْ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ لِلَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ وَالرَّابِعُ الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ وَهِيَ مَا وَضَعَهَا أَهْلُ الْعُرْفِ الْعَامِّ أَيْ مَا كَانَ النَّاقِلُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ كَكَوْنِهِ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ يَضْبِطُ أَهْلُهَا كَالدَّابَّةِ نَقَلَهَا الْعُرْفُ الْعَامُّ مِنْ كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>